لا معنى ولا أثر ولا نتيجة لعملية الإصلاح المطروحة الآن إن لم تشمل الهيئات الموصوفة بـ "المستقلة"، فهذه الهيئات لم تُوجد في الأصل لتوفير المزيد من الوظائف الرفيعة للعناصر الكسولة في الأحزاب والقوى المتحكمة بالعملية السياسية، تمارس من خلالها السلطة زيادة على ما لها من سلطة ونفوذ في الحكومة والبرلمان.
الهيئات المستقلة من لوازم النظام الديمقراطي، وتتمثل وظيفتها في ترصين الممارسة الديمقراطية وترسيخها واستمرارها وتطويرها وتحصينها من الزلل والانحراف. واختيار صفة المستقلة لم يكن لمجرد "الكشخة" (المظهر الترفي)، وإنما للتعبير عن المضمون، فالنظام الديمقراطي يتيح التعددية السياسية التي تعني حرية تشكيل الأحزاب والجمعيات السياسية وحرية عملها، والتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات البرلمانية والمحلية التي تتنافس فيها الأحزاب والجمعيات السياسية من أجل الوصول إلى السلطة وتطبيق برامجها. والهيئات المستقلة توجد في المجتمعات الديمقراطية حتى لا تتغوّل الأحزاب الحاكمة عند ممارستها السلطة، ولحماية الدستور والقوانين النافذة من الانتهاك على يد هذه الأحزاب وعناصرها التي يمكن لها أن تسيء استخدام السلطة وتتجاوز على المال العام.
والطبيعة المستقلة لهذه الهيئات تفرض ابتعادها عن كل تأثير أو نفوذ سياسي، إنْ للأحزاب والجماعات الحاكمة أو لمثيلتها المعارضة، لضمان حيادها ومهنيتها وموضوعيتها وهي تؤدي عملها.
الهيئات "المستقلة" لدينا لم تكن في أي يوم مستقلة ،لأنها منذ البداية وُضِعت في أيدي الأحزاب والقوى الحاكمة. مجالس الهيئات جميعاً، بما فيها أهمها وأخطرها وأكثرها تأثيراً في حياة البلاد السياسية، مفوضية الانتخابات، يشغلها ممثلون عن الأحزاب الحاكمة، ومعظمها إسلامي: الدعوة بتشكيلاته المختلفة والمجلس الأعلى الإسلامي ومنظمة بدر وحزب الفضيلة والحزب الإسلامي والحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير. وهؤلاء الأعضاء في مجالس الهيئات عُيّنوا مساعدين لهم من الأحزاب التي عيّنتهم، وهؤلاء وأولئك عُيّنوا موظفين من الأحزاب عينها ومن أفراد عائلاتهم وعشائرهم، والجميع يعملون لأحزابهم ولا يتورّعون حتى عن التزوير، كما يحصل في مفوضية الانتخابات مثلاً. وبهذا أمسكت الأحزاب الحاكمة بخناق الهيئات "المستقلة" وجعلت منها مطايا لها وأدوات لتزوير إرادة الشعب وللتستر على عمليات الفساد الإداري والمالي والسياسي وللتغطية على عمليات انتهاك الحريات والحقوق العامة.
منذ شهر تقريباً تنشر صحيفة "الصباح" الحكومية (المفترض أنها مستقلة عن الحكومة!) يومياً إعلاناً صادراً عن مجلس أمناء شبكة الإعلام العراقي، التي هي واحد من الأمثلة الصارخة على عدم استقلال الهيئات "المستقلة"، يدعو إلى الترشّح لشغل أربع درجات في عضويته. لا الإعلان ولا قانون الشبكة الحالي ولا قانونها القديم (قرار بريمر) يقول بأن وظائف مجلس الأمناء خاضعة للمحاصصة الطائفية والقومية، لكن المجلس الحالي موزّع على هذا الأساس، والأربعة المطلوبون في الإعلان مطلوبون على وفق نظام المحاصصة، فاثنان من الأربعة ينبغي أن يكونا كرديين، ومن الحزبين الكرديين الرئيسيين ليحلّا محل العضوين الكرديين اللذين سينصرفان، والثالث يجب أن يكون سنيّاً من اتحاد القوى تحديداً ليحلّ محل العضو السنّي المنصرف، والرابع لابدّ أن يكون شيعيّاً من التحالف الوطني ليحلّ محلّ العضو الشيعي المنصرف.
ويقولون لك :هيئات مستقلة!!.. ويزيدون في القول :إنهم يعملون الآن إصلاحاً!!
ويُبشّرونك بالإصلاح!
[post-views]
نشر في: 13 مارس, 2016: 05:28 م
جميع التعليقات 2
د عادل على
سيطرة الحزب الواحد والمسيطر عليه من شخص واحد وجاهل ولص كبير وقاتل وتنفيد هدا الانسان المتخلف عقليا وعاطفيا وطاعته الكاملةلاوامر شن الحروب النيابيه الاتية من وراء المحيطات ولمدة 40 سنه غير شخصيات قيادتنا العراقيه تغييرا ومع الاسف باثولوجيا------هده الق
قيران المزوري
متى ما رأينا ثعلبآ يهاجم مئات بل الاف الذئاب ويحاول قتل العشرات ويجرح العشرات ويلقي القبض على العشرات ويهرب من امامه العشرات حينئذ نستطيع ان نقول الخطوة الاولى من الاصلاحات في العراق قد بدأت ،،