كلّ يوم أمرُّ بشارع السعدون، وفي كل مرة "يمرد" قلبي الشعورُ بالخيبة والإحساس بالوجع مما نحن فيها من حال. واحدة من أهم خمس دول منتجة ومصدّرة للنفط تردّت بها الحال إلى مستوى لم تعد معه قادرة حتى على ترميم دار للعرض السينمائي وأخرى للعرض المسرحي!
كلما مررتُ بمنطقة بستان الخس بالذات، المطلّة على الشارع، تفحّصتُ المشهد الحياتي مليّاً، مؤمّلاً النفس بأنني ذات مرة سأبتهج بمشهد عمال بناء مع آلياتهم يعملون في المكان لإحياء مبنيين كان لهما شأن عظيم في الحياة البغدادية، فها هنا على وجه التحديد كان يوجد اثنان من أهم دور العرض السينمائي والمسرحي في تاريخ العاصمة، سينما بابل ومسرح بغداد. الآن هما مهجوران، ويقال إنهما قد تحوّلا إلى مخزنين لأصناف شتّى من السلع، ومن الحشرات.
أيّ بؤس أشدّ مضاضة من واقع أنّ دولتنا، التي بلغ دخلها من عائدات النفط وحدها في السنوات العشر الماضية أكثر من 600 مليار دولار (أي 600.000 مليون)، لم تستطع اقتطاع مليون واحد فقط لا غير، أو حتى نصف مليون من أجل مسرح بغداد وسينما بابل.. فتّش عن الفساد المالي والإداري، وبالذات فساد وزارة الثقافة في عهود وزرائها الكثر الذين أعقبوا مفيد الجزائري وسبقوا فرياد رواندزي.
ذات مرّة قلتُ للوزير رواندزي أنه قد يصعب عليه تحقيق إنجاز كبير بسبب تركة الفساد الثقيلة التي ورثها، لكنني أظن أن إعادة الحياة الى دار واحدة للعرض السينمائي وأخرى للعرض المسرحي، ستجعل الناس تتذكره وتذكره بالخير لأجيال.
من الصالحية في الكرخ جاءت الأخبار السعيدة، ففي الأيام الأخيرة أطلق عدد من الفنانين المسرحيين الذين أمضّهم انتظار "غودو"، مع مجموعة من الشباب البغدادي، مبادرة لإحياء مسرح الرشيد. المخيّب للظنّ أنّ وزارة الثقافة لم تدخل على خط هذه المبادرة. أزعم أنها قادرة على أن تنتهز هذه الفرصة للمشاركة في ترميم هذا المسرح وسواه.
غير مرّة اشتكى الوزير رواندزي من أنّ وزارته متخمة بستة آلاف موظف وموازنتها السنوية مُرهقة برواتبهم، فيما يستطيع إدارتها بخمس مئة فقط. يُمكن للسيد رواندزي أن يوجّه 100 من موظفي وزارته الفائضين عن الحاجة لـ "اجتياح" مسرح الرشيد والمشاركة في أعمال التنظيف والترميم. حركة من هذا النوع يُمكن لها أن تشجّع أيضاً على التبرّع لصالح المسرح من داخل الوزارة ومن خارجها، من خلال إقامة معارض فنيّة وعروض للأزياء وحفلات موسيقية على سبيل المثال.
مبادرة إحياء مسرح الرشيد يُمكن لها أن تتحوّل إلى حركة واسعة لإعادة الحياة الى سائر دور السينما والمسرح والمراكز والنوادي الثقافية في بغداد وسائر المحافظات.
إشعال شمعة خير من لعن الظلام .. منذ ثلاث عشرة سنة، وقبل هذا بمدة مماثلة، ونحن نلعن ظلام الدكتاتورية الصدامية وظلامية الإسلام السياسي. الآن هناك شمعة تُضاء في منطقة الصالحية.. لنجعلهما اثنتين لتشتعل بعدهما تلقائياً الثالثة والرابعة والمئة.
المسرحيّون لا ينتظرون "غودو"
[post-views]
نشر في: 14 مارس, 2016: 04:55 م