TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > القناع والتقنع

القناع والتقنع

نشر في: 21 مارس, 2016: 06:01 م

يحمل مصطلح (التقنع) فكرتين: احداهما (التخفي) وثانيهما (تحوّل الهوية) . وتمتد القوة الكامنة في أي عرض من العروض وكيفية استخدامها من الطقس الديني الى التزيين المعماري. والقناع موجود فعلياً في جميع الحضارات، ويتم ادراكه وبشكل شائع على أنه مادة تغطي الوجه بأكمله أو جزءاً منه. وعادة ما ينظر الى القناع بمرافقته لزي من الازياء.
اصول القناع ووظيفته العبادية : كان اول استعمال للقناع قد حدث على اكثر احتمال في سياق السحر الروحي ، بارتداء جلد من الجلود او اية صفة حيوانية فإن الشخص الذي يرتديه يأخذ شيئا من صفات ذلك الحيوان . ومازالت الشخوص الحيوانية الكبيرة مستخدمة لدى المؤدين المتخفين في الشعائر الطقسية في (مالي) . يوظف الشامانيون ، وهم الكهان الذين يستخدمون السحر لمعالجة المرض ، الاقنعة لتكون من وسائط الروح . واليوم في بعض الحضارات الافريقية والآسيوية فإن ارتداء القناع يسمح لمرتديه أن يدخل في حالة من النشوة .
عندما دخلت عبادة الشخصية الى التمثيل المسرحي فقد القناع وظائفه الشامانية والموسمية او  الطقسية ولكنه بقي قادراً على الاحتفاظ بحالته التعارضية . اقنعة مسرح (نو) الياباني مازالت اشكالا مثالية المقصود بها ان تكون من وسائط الوصول الى الروح وليس من وسائط تحقيق صور للشخصيات ويتم التعامل معها على هذا الاساس .
الانسان البدائي المتوحش ! الأنسان المتوحش هو المضاد القاسي للانسان المتحضر الذي يرتدي تجهيزات حيوانية ليهيج في سياق الكرنفال . تناولت مسرحيات الساتير الأغريقية اقنعة الانسان المتوحش والعبيد كونهم اناساً غير متحضرين واستوعبت الكنيسة المسيحية الروابط بين الأقنعة والممارسات الوثنية وقد يفسر ذلك تحريم التقنع في انكلترا في القرون الوسطى . كان (الهولووين) وهي السنة الجديدة للسلتيين - وهم الايرلنديون والويلزيون والاسكتلنديون ، عبارة عن احتفال بالموتى باعتقاد ان اولئك الذين في العالم السفلي يتجولون ويحثون مجموعات من الشبيبة لأن يدخلوا الريف وهم متنكرين بصورة الانسان المتوحش . هناك شخص شعبي من النمسا يدعى (هارلكين) او (هاليكين) وعندما ظهر على المسرح بوصفه خادماً في شمال ايطاليا في القرن السادس عشر كان الجمهور قد ادركوا مباشرة  الروابط الحيوانية والشيطانية - الشريرة التي تتمثل في قناعة النصفي الأسود ، والمصنوع من الجلد.
في القرنين السادس عشر والسابع عشر كان لعروض التقنع في انكلترا والقريبة منها في فرنسا والتي سميت (باليه دي كور) واللتين شهدهما البلاط ، اصلٌ في التحنيط وفي التنكر، ولكن تم رفع مستواها الى ما يناسب البلاط واستعاراته.
وكانت عناصر (الغروتسك) أي التشويه المضحك والمضادة للتقنع تقدم غالباً من قبل المسافرين المحترمين وبما له علاقة بالكرنفالات وتقاليد الانسان المتوحش. تطلبت الابداعات الرائعة كحفلات التقنع في البلاد وبعدها في الأوبرا الى كمية من اقنعة الورق - الأقنعة التي تصنع من لصق الورق. وبعد ذلك اصبحت مثل تلك الأقنعة مبتذلة ومرفوضة تجارياً في المسرح الهزلي غير المألوف ولكنها بقيت مستخدمة في كرنفالات الشارع وخصوصاً في (ايبيريا) . وفي القرن العشرين فإن استخدامها في الكرنفالات وبسبب قوتها وظهورها المرئي فقد تبناها المسرح السياسي في روسيا من قبل مجاميع التحريض التي ظهرت في العشرينات من القرن، وتكررت مثل تلك الممارسة في الستينات والسبعينات من قبل (المسرح الخبز والدمى) في الولايات المتحدة الامريكية .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram