لم يعرض التلفاز يوماً لقطات من اجتماع مجلس الوزراء او اجتماعات رؤساء الكتل إلا وشاهدنا الجميع يوزعون ابتساماتهم في ما بينهم لدرجة أن مَن لا يفهم دروب السياسة ربما سيشعر ببعض الاطمئنان ويظن ان (كبار البلد) اتفقوا اخيراً وسيحدث اجتماعهم فرقاً في حياتنا المرتبكة ..ويمر الاجتماع كغيره وتطل علينا الوجوه نفسها منفردة، كل على قناته التي يملكها او القناة التي يجد صوته صادحاً فيها ليحلل الوضع السياسي ويلقي باللوم على الفساد المستشري في البلد وضرورة محاربته وتحقيق الاصلاح الفعلي ..ولن ينسى طبعا ان يتهم مَن يقف حجر عثرة في طريقه بأية تهمة تجعله زائداً عن حاجة البلد الى الأمن والأمان وربما يفضح ملفات فساده او يصفه بأبشع الصفات التي تتنافى حتماً وعرض الابتسامات التي تبادلونها ضمن قاعة الاجتماع ...
ولم يمر يوم إلا ونكتشف صفقات فساد جديدة وأيدي متورطة فيها لمسؤولين كبار او مَن يعمل معهم او يأتمر بأمرهم فتقوم الدنيا ولا تقعد وتطل علينا عشرات الوجوه لتطالب باحقاق الحق والقضاء على الفساد ويتحدث كل منهم بطريقة مَن اعتاد النزاهة أسلوباً لحياته ، وهكذا ، وبالتدريج يكتشف المواطن العادي ان الجميع نزيهون ويطالبون بالنزاهة ويرفضون الفساد فيضيع لديه (راس الخيط) ويزداد تشابك خيوط (الشليلة) وتختلط لديه المفاهيم وحتى الوجوه فيتساءل ببراءة : مَن هو النزيه إذن ؟ ومَن هو الفاسد حقاً ؟
لقد اعتاد المسؤولون في بلدنا على اتباع قاعدة "اكذب ...اكذب..حتى يُصدقُك الآخرون " كما قال وزير الدعاية النازي غوبلز من قبل، فضاعت الحقيقة بينهم ..وصار على المواطن العادي ان يكتشف بنفسه حجم الكذب ومقدار الصدق إن وجد ثم يحكم على الوجوه ذاتها متأثرا غالبا بخطاباتها النارية التي تعزف على أوتار حساسة في أعماقه كالانحياز الى العرقية والمذهبية او الطرق على معدن (المشاركة) و(الوحدة الوطنية) و(نبذ الطائفية) لتشكيل لوحة فنية جديدة تختلف ملامحها عن ملامح الدورات السابقة فلكل مرحلة لونها ومذاقها الخاص والمرحلة الحالية تتطلب توزيع ابتسامات جديدة والمناداة بمحاربة الفساد ونبذ الأحقاد والطائفية ...اين التقصير إذاً ؟ ومَن المسؤول عما يحدث ما دام المسؤولون متفقين جميعا على الخطوط العريضة ويواصلون تبادل الابتسامات العريضة في قاعات الاجتماعات الحاسمة حتى لو تبادلوا أبشع الاتهامات خارجها.
ربما يكمن الخلل إذن في المواطن ذاته فليس عليه ان يصدق أياً من التصريحات او المزايدات مهما بدت وكأنها تصب في مصلحته ..عليه ان يؤمن أولاً أن المسؤولين إذا اتفقوا على الضحك على أبناء شعبهم في قاعات الاجتماعات فسيواصلون الضحك عليهم خارجها!
كبار البلـد
[post-views]
نشر في: 21 مارس, 2016: 09:01 م