بفضل تطور تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتية، لم تعد للفضاء حدود ساترة تصدّ أو تُعيق الإشارات النابضة بالصوت والصورة والمعلومة من الوصول إلى حيث يمكن التقاطها، والتفاعل معها.
وهذا التطور لم يقتصر على هذا الجانب دون غيره، فبفضل تغطيته كل مساحات المعرفة
بفضل تطور تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتية، لم تعد للفضاء حدود ساترة تصدّ أو تُعيق الإشارات النابضة بالصوت والصورة والمعلومة من الوصول إلى حيث يمكن التقاطها، والتفاعل معها.
وهذا التطور لم يقتصر على هذا الجانب دون غيره، فبفضل تغطيته كل مساحات المعرفة الإنسانية وانعكاس منجزاتها على حوامل حياة البشر وإخضاعها لحاجاتهم، صاروا هم موضوعها والهدف المباشر لها، وتحوّل محيطهم الواسع المعزول بحدودٍ ومحيطاتٍ وأقوامٍ ولغاتٍ، الى قريةٍ كونية إلكترونية، حاضنتها الشبكة الإلكترونية، وما نسجتها من مواقع للتواصل الاجتماعي وتبادل المعرفة وإشاعة المتعة وقيم السعادة.
وقد دخلت وسائل التواصل والاتصال الى كل بيت وزاوية حياتية من دون إذن من سلطة جائرة، أو من قيّمٍ على السلوك وصروف الحياة والمواقف وما يترتب على التفاعل من انحيازاتٍ وأحكامٍ واقتناع. والفضائيات التي ملأت فضاءاتنا لم تعد تقتصر في إيصال نبضاتها بالصوت والصورة من شاشات التلفزيون، بل تجاوزتها الى وسائل محمولة أكثر يسراً في متناول أفراد العائلة، وقد يسّرتها لهم ووسّعت من نطاق المستفيدين منها، بعد أن صارت مجانا، برامج في قلب الشبكة العنكبوتية. ولم يعد بعد هذا التطور ومنجزاته من وسيلة للحد من حضور الفضائيات وغيرها من وسائل الاتصال والمعرفة والمعلوماتبة او حجبها كلياً عن متلقيها.
ويبدو أنّ صُنّاع القرار عندنا لا يتجاهلون هذا وإنما لا يريدون، وهم يستخدمون وسائل القسر والمنع والحجب، احترام الدستور الذي يتصرفون بمبادئه كيفياً، وفقاً لمقاصدهم وما تفرضه مصالحهم وهيمنتهم على تقرير مصائر البلاد.
إنّ الفضاء العراقي يزدحم بالقنوات الرثة التي تبث على مدار الساعة كل ما يُفرّق ويثير الفتن الطائفية والدينية والعرقية وغيرها من سموم الجهالة والتحريم والتخلف. ومثل هذه القنوات يمكن ان تخضع للقيم والضوابط المهنية التي صيغت باتفاقيات عربية ودولية، وقد يكون تطبيقها على أغلبها منسجماً مع الدستور العراقي ولا يتعارض مع القواعد والضوابط المهنية المقرّة، لكنّ استخدام وسيلة المنع القسري والححب ومصادرة الأجهزة وغلق المكاتب وملاحقة الإعلاميين، خارج الاتفاقيات المبرمة والمتعارف عليها دولياً ولأسبابٍ تتعلق بتقاطعٍ في وجهات النظر والسياسات المعتمدة من قبل أي قناةٍ او وسيلة إعلامية بغضّ النظر عن رثاثتها وتخلفها واعتمادها أدوات ووسائل تشبهها، إنما يعبّر عن عجزٍ في مواجهتها بما ينبغي من وسائل المحاججة والتصحيح وحتى التسفيه "المهني".
ويتعدّى هذا الأسلوب ، الاستهداف المباشر لقناة أو وسيلة إعلامية بعينها لتتحول الى سابقة يمكن أن تطاول أي قناة أُخرى لا تشبه أصحاب القرار او تتفق مع نهجهم وسياساتهم وتوجهاتهم الجائرة.
قد نختلف مع البغدادية، وقد نتقاطع مع نهجها وأسلوب تناولها للأحداث والزوايا التي توحي بالتحريض والتعبئة باتجاهات لا تخدم معالجة آفات المنظومة الطائفية ومحاصصتها، مع انها تقول ذلك شكلاً ، ويمكن أن نتفهم بعض ما يُنسب لها من أهدافٍ مضمرة، لكننا لا نقبل تحت أي عذر باللجوء الى اقتحام مكاتبها ومصادرة أجهزتها والتلويح بالمطالبة من الجهات المعنية بإلغاء إشارة بثها. إنّ معالجة الإشكاليات المتعلقة بالأداء الإعلامي بالوسائل الإدارية وباستخدام القهر الحكومي المتشدد، يتنافى مع المساحة التي يمنحها الدستور لحرية الإعلام والضوابط التي يضعها للحيلولة دون التجاوز على القيم والمبادئ المقرّة في الاتفاقيات الدولية والقيم المهنية المتعارف عليها.
أيكون مَن يدفع بهذا الاتجاه حريصاً على إطفاء الحرائق التي تتسبب بها إثارة الضغائن والفتن السياسية، وهو يقف وراء عشرات القنوات التي تبثّ سموم الأحقاد الطائفية ويحرّض على القتل على الهويّة، ويُشيع ثقافة الإقصاء ورفض الآخر، ويتبنّى توجّهاتها وقيمها ..؟