عندما تتحول نوايا التغيير والاصلاح الى تنازع إرادات، كما يجري حاليا، ويتم فرضها بقوة الدين او السلطة او الجمهور، فاننا نكون اقتربنا من لحظة اصطدام اجتماعي خطيرة.
منذ الشهر الماضي، والمناخ السياسي يشهد موجة امطار شديدة من المبادرات تصاحبها عواصف رعدية تلوّح بها الاطراف السياسية وتوجها ضد خصومها او حلفائها، تحت وقع شعارات براقة ومغرية، يحسبها المواطن ماءً وما هي إلا سراب.
حشد الصدر نزل بكامل ثقله الديني والتنظيمي لفرض رؤيته بالاصلاح وضمنها في البنود الـ 26 التي أعلنها في خطابه مساء الاثنين. وللحقيقة فان اغلب بنود ورقة الصدر، هي مطالب ترفعها الكتل السياسية منذ 2003. بل اكثر من ذلك فان الورقة الصدرية كانت متطابقة في جوهرها مع البيان والبرنامج الوزاري الذي قدمه رئيس الوزراء حيدر العبادي أمام البرلمان قبل نيله الثقة.
ما الذي اختلف اذن؟ فكل القوى السياسية، المتحالفة والمتصارعة على حد سواء، تتبنى هذه البنود لكنها تختلف على تقديم وتأخير بعضها، وفقاً للاجندة الحزبية، والطائفية، والقومية.
وعندما يتم الحديث عن مصداقية هذا الطرف او ذاك الطرف، فإن الاجواء المشحونة حالياً، والاستقطاب الاجتماعي في ظل كرنفالات الهجاء السياسي المتواصل، كلها عوامل لا تكرس سوى سوء الظن، والتربص، والخشية من سيناريوهات ما تحت الطاولة، بانتظار من يقلبها على الجميع.
في مقابل الاندفاع الصدري، يواصل العبادي، ومن ورائه الجناح "المعتدل" لحزب الدعوة، مساعيه لتنفيذ اصلاحاته اعتماداً على قوة السلطة، وضعف الخصوم وتشتتهم.
فطيلة الفترة الماضية، لم يسمع العبادي لصخب الصدر، ولا الحكيم، الذي بدت رؤيته للاصلاح اكثر قسوة رغم هدوئه المعروف. يمضي رئيس الوزراء مع لجنته الوزارية رغم شكوى الشركاء من غموض "وثيقة الاصلاح" التي استهلكت أكثر من 160 صفحة.
يجد الحكيم نفسه وسط دوامة بين رئيس حكومة منحه كل الدعم، لكنه لا يسمع له ولا يشاوره، وبين حليف قرر في لحظة ما تسريع وتيرة اللعب ليتجاوز الجميع ويضعهم امام خياراته الصعبة.
التبرم ذاته تتداوله كواليس الجناح "المتشدد" لحزب الدعوة، وشعوره بالخوف على مصيره كحزب يلوح البعض باجتثاثه اسوة بحزب البعث. بعض المتحمسين في ساحة التحرير والاعتصام ذهبوا بعيداً برفع المشانق بدلالاتها التاريخية السيئة. فقد اعادت الى الذاكرة مشاهد السحل صبيحة انقلاب تموز، وحبال شنق الخصوم التي نفذها الحرس القومي وميليشيات البعث سابقا.
ورغم ان هذا الاصطدام الوشيك جدا يجري في دائرة التحالف الوطني، ما اعطاه صورة الصراع الشيعي – الشيعي، الا انه ينذر بصدام من نوع آخر اقسى واشد من الاول. فالموجة الشيعية ستصطدم بالممانعة السنيًة / الكردية التي لطالما اشتكت من هشاشة التوازن في نظام ما بعد 2003. سترتفع هذه النبرة اذا ما طبق المصلحون الشيعة فهمهم للاصلاح بعيدا عن الشركاء.
ونظرة عابرة لمسارات الاصلاح المطروحة، تكشف احتكارها من قوى ماسكة للسلطة في نظام ما بعد صدام، وهي قوى تمثل الاغلبية السياسية الشيعية. ووفق هذا المعطى، فان مشاريع الاصلاح تفهم على انها صيغ سياسية لاعادة تموضع هذه القوى الشيعية وفق موازين قوى جديدة.
اذن هو اصلاح الجميع ضد الجميع، وما لم يولد من رحم حوار وطني معمق وشامل، فسنكون على موعد مع انقلابات بأشكال مختلفة. لكن الخطورة هذه المرة، تكمن بان التهديد يطول اقوى الاثافي الثلاثة التي يتعكز عليها العراق الجديد. في مثل هذا الحال ليس بين الاصلاح والانفجار الكبير، سوى موقف يحدده عقلاء او مجانين هذا البلد.
إصلاح أم Big Bang؟
[post-views]
نشر في: 23 مارس, 2016: 01:58 م