بيّنت وقائع الاجتماع المشترك بين اللجنة التي شكّلتها الرئاسات الثلات والكتل النيابية لمساعدة رئيس مجلس الوزراء في إنضاج مقترحاتٍ مقبولة لتغييرٍ وزاري مرتقب وحسم ملفات الهيئات المستقلة ومكافحة الفساد، والتعاون مع لجنة الخبراء التي شكّلها السيد العبادي
بيّنت وقائع الاجتماع المشترك بين اللجنة التي شكّلتها الرئاسات الثلات والكتل النيابية لمساعدة رئيس مجلس الوزراء في إنضاج مقترحاتٍ مقبولة لتغييرٍ وزاري مرتقب وحسم ملفات الهيئات المستقلة ومكافحة الفساد، والتعاون مع لجنة الخبراء التي شكّلها السيد العبادي لإعداد ملفات الكابينة الوزارية برئاسة النائب الفائز ضمن قائمة فاضل الدباس المشتبه به في فساد ما استورده من أجهزة كشف مزيّفة للمتفجّرات.. بيّنت مدى هشاشة موقع ودور ومكانة الرئاسات الثلاث، وفقدان تأثيرها على ما ائتمنها عليه الناخب العراقي من تمثيل لإرادته وحماية مصالحه وتكريس سلطة "الدولة".
إنّ مجرد التزام رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس مجلس القضاء الأعلى ورؤساء الكتل "الصمت" إزاء انفراد رئيس مجلس الوزراء في تشكيل لجنة سرية وامتناعه عن الإفصاح عن هوية أعضائها والمعايير والكيفية التي اعتمدها في اختيارهم، يعني في واقع الحال القبول بالتجاوز عليهم، وعلى ما يمثّلونه دستورياً، وتحويلهم الى متلقّين ومستمعين لا غير لما يقرره دون حولٍ أو قوة ممانعة على الأقل. ومثل هذا النهج هو الذي يدفع الى الاستقواء بـ "الاستخفاف" حيال حرمة مواقع الآخرين وصلاحياتهم الدستورية، ويشجّع على توسيع بيئة التسلّط وما يمكن أن يُنمّي الطمع لدى الطامع بالسلطة، ويعزز ميول التحول نحو نوعٍ من دكتاتورية "ديمقراطية" مجازاً ..!
وهذا ما شجّع سلفه على أن يندفع في اتجاهٍ مُغرٍ للقيادة المنفلتة التي قادت العراق الى ما صار عليه اليوم. ولم يكن هذا ممكناً بالضرورة ولا قدراً "أغبرَ" محكوم على العراقيين المرور بما سببته هذه "القيادة" من أوجاع وخراب وتدهور على كل الصُّعد، وتمكين داعش من السيطرة على ثلث أراضي البلاد وأسر سكانها ومواردها، وتوريث خزينة خاوية وأزمة مستفحلة تستعصي على الحلّ بالوسائل الاعتيادية.
إنّ التمعّن في اللقاء المشترك المذكور يعزز القناعة بأننا لا نعيش في "لا دولة" أو دولة فاشلة فحسب، وإنما نستمرئ مشهداً كوميدياً بامتياز، إذ يتكشف أنّ رئيس مجلس الوزراء وهو يقبل بتشكيل لجنة من الرئاسات الثلاث لمساعدته على التغيير الوزاري وغير ذلك من دعاوى الإصلاح ومكافحة الفساد، يكون هو، في ما يُشبه الضحك على الذقون، قد شكل لجنة خبراء مرتبطة به "فوق الرئاسات والكتل" تُجري الاتصالات،عبر وسائل الاتصال، ، مع معارف وأصدقاء، ومن لم يتوقع منهم مثل الاتصال المذكور كمرشحين مفتَرَضين لشغل مناصب وزارية ومواقع عليا في الدولة الفاشلة. والأنكى من ذلك أنّ أحداً من الرؤساء ، للجمهورية أو الكتل، لا يرى في ذلك إهانة سياسية وشخصية لهم، قد تدفع غيرهم في دولٍ محترمة إلى الاستقالة ودعوة مجلس النواب للانعقاد والبحث في هذا التجاوز. والكوميديا السوداء تستكمل فصلاً آخر لها حين تجتمع اللجنتان الرئاسية والوزارية، فيقودها نائبٌ معروفٌ بتاريخ سياسي ملتبس وحاضر يخجل منه أي مواطن سويّ، حيث يقبل بتسلّم مئات آلاف الدولارات لحملته الانتخابية من فاسد راشٍ يُفترض أن يكون وراء القضبان لو كان العبادي يحرص على مصداقيته وهو يحملُ على الفساد منذ توليه منصبه الرئاسي. ولا يكتفي ممثل إصلاحات العبادي هذا برفض إعطاء معلومات عما تحمله لجنته لممثلي الرئاسات والكتل، وإنما يكشف عن سويّته المتسلطة بمنع أعضاء اللجنة من التداخل أو الرد على استفسارات ممثلي
الرئاسات.
لم يعد بعد هذه الصيغة المشوّهة لـ "الإصلاحات" التي وعد بها العبادي، من حيث الاختيارات أو السياقات، ليل نهار، سوى سلوك السبيل الوحيد لتجربة إمكانية نضوج العراقيين واستعدادهم للإصلاح أو التغيير وعبور الطائفية ومحاصصاتها المشينة. وهذا السبيل يمر عبر طائفة من الخطوات المترابطة والمترافقة زمنياً، وذلك بالتمهيد لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، بعد مطالبة البرلمان بإعادة النظر بقانون الانتخابات، وتشكيل مفوضية عليا لها من القضاة بتكليف الامم المتحدة لهذا التشكيل أو بمعونتها ودرايتها. كما يقتضي هذا التمهيد تدقيق قانون الأحزاب ثم وضعه قيد التطبيق وسريان مفعوله على الجميع قبل إجراء الانتخابات، والشروع بحل الميليشيات المسلحة ونزع سلاحها، سوى من يحارب داعش على خطوط المواجهة والقتال. وارتباطاً بذلك، التصويت على تحويل حكومة العبادي الى حكومة تصريف أعمال إن لم يكن متاحاً تشكيل حكومة مصغرة انتقالية تشرف على الانتخابات ولا تشارك فيها.
قد يرى البعض من دعاة الإصلاح والتغيير و"العبور على الطائفية" أنّ في هذا "إجهاضاً " للإصلاح المطلوب فرضه "الآن" وليس تأجيله بأي حال من الأحوال.
إنّ هذا بالذات ما يؤشر ويجسد "الوهم" المُخدّر لليقظة والوعي الوطني العميق، فكل الدعوات لتغيير وزاري جزئي أو شامل، لا يمكنه بأي شكلٍ من الأشكال التمكين من أي إصلاح، ناهيك عن التغيير وعبور منظومة التحاصص الطائفي "منتهي الصلاحية"، بل سيعيد تدوير آليات المنظومة، ويصحح بعض مساراتها وأدواتها، من خلال "ترقيعاتٍ" جزئية فاضحة تُبقي على جوهر المنظومة ومكمن أزماتها!
إنّ المطلوب إلغاء النظام المحاصصي وإعادة بناء الدولة على أسسٍ دستورية ديمقراطية مبنية على قاعدة المواطنة، وليس المطلوب إجراء تغيير وزاري عاجزعن تنظيف شارع تُطلُّ عليه الوزارة.
الدولة تقودها "حكومتها العميقة" المتمثّلة بجهاز الدولة البيروقراطي بشطريه المدني والعسكري الأمني، وليس الوزارة، والمشهد العراقي المُعاش برهانٌ حيٌّ على ذلك ..!
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
ياسيدي الفاضل ان ماتطرحه من حلول وطائفة الخطوات التي من خلالها نتجاوز الازمات التي يمر بها البلد كل هذا غير وارد في حسابات الحاكمين المتسلطين على مقدراتنا ان صوتك وصوت الشرفاء الاخرين والمتظاهرين والمعتصمين هو ايضا غير وارد في حساباتهم انهم يراهنون على نا