أرشيف الأصدقاء ..كاظم خنجر 1- أمير علي جوادبوسترك ملونٌ بشكلٍ جيد وجهك حليق ومبتسم تقف ببدلتك العسكرية سورة الفاتحة تحتك من اليمين في اليسار كتبوا بأنك (شهيدٌ وسعيدٌ وبطلٌ...)وتحتهما تأريخ موتك (7- 11- 2015).****يقف البوستر على الرصيف المُقابل لبيتنا
أرشيف الأصدقاء ..
كاظم خنجر
1- أمير علي جواد
بوسترك ملونٌ بشكلٍ جيد
وجهك حليق ومبتسم
تقف ببدلتك العسكرية
سورة الفاتحة تحتك من اليمين
في اليسار كتبوا بأنك (شهيدٌ وسعيدٌ وبطلٌ...)
وتحتهما تأريخ موتك (7- 11- 2015).
****
يقف البوستر على الرصيف المُقابل لبيتنا
بالضبط في المكان الذي تنتظرني به كل يوم
عندما كنّا نذهب إلى المدرسة
****
لم يجدوا سوى نصفك
كان بيتًا مُفخخًا
****
براحتين من دموع تلطم أمك أمام البوستر على وجهها
في كل يوم
وفي كل يوم
أسحب البوستر من يده
معي إلى المدرسة.
هذه واحدة من مجموعة قصائد، اطلعت عليها مؤخراً في ملف نشر على احد المواقع الالكترونية ( الترا- صوت ) لم أكن قبلها وللاسف ، قد سمعت باسم الشاعر الشاب كاظم خنجر ، منذ وقت طويل ، وانا غير مهتم لامر الشعر، بخاصة العربي منه ولاسباب مزاجية .
لكن هذه القصيدة، التي حملت التسلسل رقم واحد بين القصائد الاخرى المنشورة في هذا الملف ، هي التي دعتني الى الاستمرار في قراءة قصائد الملف كلها.
عدت ثانية وقرأت القصائد من جديد، تأملتها جيدا، أشعلت سيجارة واتكأت للخلف.
هل ولد هذا الجيل من الشعراء الحقيقيين متأخرا ؟
هل للشعر زمن ما ؟
ما هو موقعهم على خارطة الشعر العراقي ؟
هل هناك خارطة واضحة في الأصل للشعر العراقي ؟
هل شكل السياب والبياتي ونازك وبلند جيلا شعريا ؟
ماهي الخصائص الفنية لهذا الجيل ، او المشتركات الجمالية سوى الانزياح بالشكل ؟!
ماذا عن الستينيين ؟ هل هم جيل لديه مشتركات رؤوية وجمالية ؟ ام انهم شعراء أفراد تورط بعضهم في بيان شعري ( نظري ) تخطاه الزمن ؟
ماذا لو مسحنا الشعراء السبعينيين كجيل من الخارطة الشعرية العراقية ؟ هل سيتهدم الهرم الوهمي الشعري الذي تأسس عبر سلسة من المقولات الفارغة والتنظيرات العقيمة ؟
طرح الأسئلة واشتقاقها مرة اخرى، هي من عاداتي السيئة . لانني وجدت كل شيء في ( الثفافة العراقية ) مبنيا ومنجزا وتم الانتهاء منه دون أسئلة حقيقية . حتى عبارة (الثقافة العراقية) هي من اكثر العبارات اثارة للشكوك . عبارة تجريدية بلا اي معنى حقيقي. واحدة من عباراتنا الوهمية، التي لم تتعرض للنقد والفحص والتدقيق .
لكن كيف يمكن ان نطلق على ملف الشباب هذا مفردة جيل، الا يستدعي هذا الحاقهم بالأجيال السابقة، تلك الحشود من الاسماء المؤدجلة التي تفتقد لشرط الحرية .
بدون الحاقهم بمن سبقهم ، هل سنكون بإزاء نبت شعري شيطاني؟
بتقديري الشخصي، ان هذا الجيل يمثل الولادة الصافية للشعر في بلدنا ، حيث شرط الحرية وغياب الايدلوجيا بمعناها المتواضع عليه . وهذان الشرطان بحسب معتقدي ، هما اهم شرطين بعد الموهبة لاي عمل إبداعي .
وقد توفرت الحرية وغابت الايدلوجيا وحلت الكارثة . فانت تستطيع منذ هذا اليوم، ان تسخر من الشهادة والبطولة والخطاب السياسي عن فكرة الوطن ، ولكنك تبكي صديقك الذي يقتل في الحرب او يموت بانفجار عشوائي. تبكيه وتأخذ بيده من البوستر المعلق في قارعة الطريق وتعود معه الى المدرسة. تستطيع ان تلعن الماساة كلها دون ان تكون متحزبا. ان تقف ضد الموت العشوائي دون خندق سوى الانتصار للحياة .
هل حدث في شعرنا مثل هذا من قبل ؟
انا شخصيا لا اتذكر ، ولكني اتذكر جيدا الكثير من تقاسم خنادق الموت . كان هناك موت نبيل وآخر ليس كذلك .
في قصيدته أعلاه، يعيد كاظم خنجر الشعر الى الشعر ، الى التلقائية والعاطفة الصافية ذات الحس الإنساني العميق ، الذي يذكر بكبار الشعراء الذين ارتبطت قصائدهم بالانسان بوصفه سؤالا وجوديا بدهياً وحضورا عاطفيا محضاً.
ان هذا الشاعر الشاب هو من سلالة الشعراء الذين يؤدون القصائد ولا يؤلفونها. لا يحتاج الى تأمل الأسئلة الكبرى، والتوقف عندها لاعمال عقله عليها. هو يترك أعماقه تثرثر داخل شكل فني بديع، قادم بلا شك من إرادة ووعي . ولكنه الوعي الضمني ، وعي القصيدة وليس مكيدة الشاعر المتحذلق صانع الأُطر المزخرفة .
لقد نشرت القصيدة هنا كمقدمة، لانني أريدها ان تتحدث عن نفسها ولامنع نفسي من التورط بالحديث عنها من داخلها . امنع عن نفسي هذه السلطة الرمزية التي تمنحنا حق التدخل تحت العنوان العريض للنقد . انا لا امارس النقد هنا ، انا افتح الضوء في الغرفة ليس من اجل ترتيبها بل من اجل رؤيتها بوضوح.
مع خنجر ، هناك اسماء في الملف ذاته تستدعي التوقف بتأمل عميق، يتيح قراءة جادة لمنجز يولد أمامنا بهدوء معلنا عهدا جديدا للشعر لم نألفه من قبل . قصائد جميلة تاتي من عمق الكارثة وتتخطاها الى الجمال .
مع هذه القصائد وحدها، سيكتب تاريخ جديد للشعر في بلدنا دون ادعاءات دون ضجيج، دون نقد وهذا من حسن الحظ، لان النقد الادبي بات عبئا على الابداع وفضيحة ثقافية تخطاها الوقت .
اخشى على هذا (الجيل) ان يكون قد ولد متاخرا . لكن هل للشعر زمن ؟ شكرًا لشعراء الملف الساخن بالجمال . يجب ان نتنحى جانبا لكي تمر قصائدهم بسلام فان للجمال مواسم لا يمكن تكرارها .
سأعود في مناسبات لاحقة لاتوقف مع القصائد الاخرى كلما أتيح لي ذلك .