1-2
طلع علينا أحد المخرجين الشباب والذي اتخذ من الحركات الراقصة وحركات المايم او البانتومايم مادة لاعماله المسرحية ، وراح يطوف بها في بلدان مختلفة ويقيم ورشا لهواة المسرح هنا وهناك، اقول طلع علينا بفكرته عن التحول من المسرح الى ما سماه (الميتا مسرح) وهذا هو الذي دفعني لان اتحرى عن معنى هذا المصطلح وما وراءه من تداعيات – مضامين واشكال.
كلمة (ميتا Meta) الانكليزية تعني (ما بعد) وقد بحثت في جميع المصادر والمعاجم المتوفرة لدي فلم اجد تعريفاً لهذا المصطلح ، وقد وجدت تفسيراً له في مقالة منسوبة الى الدكتورة (نهى الدرويش) لا اعرف اين نشرت ومتى وقد اعتقدت (الدكتورة نهى) ان مسرحية (حلم في بغداد) لأنس عبد الصمد نموذج للميتا مسرح.
نحن نعرف ان (ما قبل المسرح) هو تلك الطقوس الدينية لدى الاغريق القدماء مثل (الديثيرامب) الممهدة للتراجيديا و(الناليفوريا) الممهدة للكوميديا وكذلك الطقس المصري (مسرحية ابيدوس العاطفية) والتي تتعرض لعلاقة الآلهة الفراعنة ابرتيس وازوريس وحورس، وربما ملحمة كلكامش الاكدية وافعالها من ملاحم واساطير وادي الرافدين. اما (ما بعد المسرح) فلا ندري لحد الان ماذا يكون واذا كانت مسرحية (حلم في بغداد) و(حلم في كركوك) و(حلم في الديوانية) و(حلم في السماوة) هي امثلة له، اي للميتا مسرح، فلم اصل بعد الى تفسير واضح للمصطلح، وما قدمته (الدكتورة نهى) من تفسير فإنه لا يختلف عن تفسير للكثير من العروض التي تنتمي الى مصطلح (المسرح). وهي تقول ان الهدف الفلسفي والضمني للميتا مسرح "ان لا يمنح سمكة لجائع وانما ان يعلم الجياع كيف ان يصطادون السمك". وهذا ما اراده الالماني الكبير (برتولد بريخت) في مسرحه الملحمي ، لقد اراد من المتفرج ان يكون واعياً لا منجرفاً مع عاطفته وان يكون ناقداً لاوجه التناقض في العلاقات الاجتماعية وللظواهر الاقتصادية والسياسية المخالفة لما يجب ان يكون وبالتالي ان يفكر بتغيير ما هو كائن الى الافضل .
وتدعي (الدكتور نهى) ان (الميتا مسرح) يدعو الى مشاركة المتلقي في الفعل الدرامي وهذا الادعاء لا يختلف عن طروحات عدد من اصحاب (المسرح التجريبي) والتي تقتضي مشاركة الجمهور فعلياً في الحدث المسرحي كما فعلت فرقة (المسرح الحي) الاميركية في مسرحيتها (الجنة الان) وكما فعل (هو زيت شايكن) في مسرحه المفتوح وفي مسرحية (فان ايتالي) (الافعى) حيث يستدعى الجمهور لمشاركة الممثلين في افعالهم. وتعتقد الكاتبة (نهى) ان تنوّع اشكال ومعمار بنايات المسرح باعتماد المسرح الدائري حيث يحيط الجمهور بمنطقة التمثيل والمسرح الاهليلجي والدوّار حيث تدور عليه المناظر المسرحية المتعددة و"المسرح المصمم على شكل حرف (T) المستعار من خشبة عروض الازياء وغيرها، كانت تهدف الى عدم فصل الجمهور عن الممثلين كما هو الحال في مسرح العلبة الايطالي. وهذه الظاهرة ليست جديدة في تاريخ المسرح العالمي وانما هي استعادة لما هو قديم – المسرح الاغريقي والمسرح الأليزابيثي. ونذكر هنا ان المخرجين الانتقائيين امثال (ماكس راينهارت) طبقوا فرضية ان لكل مسرحية مسرحها المناسب لعرضها فالمسرحية الكلاسيكية الاغريقية يناسبها المسرح الدائري والمسرحية الشكسبيرية يناسبها المسرح اللساني، والمسرحية الواقعية يناسبها مسرح العلبة.. وهكذا.