قضاء الشطرة في محافظة ذي قار ،كغيره من المدن العراقية الاخرى، شهد منذ اربعينات وخمسينات القرن الماضي نشاطا ملحوظا للحزب الشيوعي ، فاستحقت المدينة لقب موسكو الصغيرة . مع اندلاع الصراع بين السلطة والقوى السياسية ، تحول الانتماء الى المدينة تهمة تلاحق الكثيرين من ابنائها او الوافدين اليها من قرى اخرى ، اغلبهم عمل في التنظيمات الفلاحية منطلقا من قناعة اكيدة راسخة بان النظام الاشتراكي سيتحقق في العراق عاجلا ام اجلا ، فيركب الفلاح شمخي الجرار "سوفيتي الصنع" لحرث الارض بعد ان كان اجداده يعملون لصالح الاقطاع ، طيلة الموسم الواحد لايجنون من اتعابهم سوى زاد يومهم ، فأجلوا تحقيق امنياتهم في شراء دشداشة ،او الذهاب الى المراقد الدينية باستعارة نعال شطراوي من صديق او قريب حالفه الحظ في شراء حاجة تعد كمالية من وجهة نظر من يعيش في الدرك الاسفل تحت خط الفقر المدقع .
في صرايف الفلاحين كانت الاجتماعات تعقد مساء ، عادة ما يكون المسؤول الحزبي معلما في مدرسة القرية او "السلف" ، يشرح للحاضرين معاني مصطلحات ومفردات وردت اثناء الحديث ، لم يسمعوها من قبل ، فتنهال الاسئلة لمعرفة البروليتاريا ، الكولخوزات ، المعسكر الاشتراكي ، تلاحم العمال والفلاحين ، الجيش الاحمر ، كهربة الريف ، ينتهي الاجتماع بالقاء قائمة طويلة من الارشادات والتوصيات ، وتحذير من الافكار الرجعية ، والتمسك بالافكار التقدمية ، والاستعداد للدخول في دروس محو الامية.
بين تبني التقدمية ونبذ الرجعية تقمص شاب انتمى حديثا للحزب شخصية الناصح للكبار والصغار ،اثناء وجوده في مضيف احدهم ، ابدى رأيه بزواج الاقارب ، فاثار غضب واستياء الحاضرين ، اما الاب فاصر امام الجميع بأنه سيزوج ابنته القاصر لابن شقيقه ، غدا مساء وليخسأ الخاسئون ، رفاق الشاب نقلوا لمسؤولهم وقائع الحادث، فقرر الاخير عقد اجتماع عاجل في صريفة تقع في اطرف السلف ، بعد مرور اقل من نصف ساعة على عقد الاجتماع ، شن الرجعيون هجوما على التقدميين ، وصدر امر اداري بنقل المعلم الى قرية اخرى في سوق الشيوخ معروفة بأن اكثر ابنائها من المنتمين لحزب البعث .
دارت الايام ومرت الايام على ايقاع اغنية الراحلة ام كلثوم ، فاحتدم الصراع السياسي بين القوى العراقية للوصول الى السلطة ، رافقته حملات ملاحقة واعتقالات ، لم يسلم منها المنتمون الى الاحزاب حين تميل الكفة لجهة ضد اخرى ، المعلم الشيوعي احيل الى المحكمة وكان شهود الاثبات على التهم الموجهة اليه رفاقه من الفلاحين ، في لحظة وجود المتهم في قفص الاتهام استرجع شريط احداث السنوات الماضية ، وصل الى قناعة بأنه كان يحلم عندما تحدث مع رفاقه عن حتمية تحقيق الاشتراكية ، وكهربة الريف ، واقتناء نعال شطراوي من سوق موسكو الصغيرة .
منجل الشيوعي
[post-views]
نشر في: 30 مارس, 2016: 06:01 م