اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > السفرات المدرسية .. من علميّة تثقيفيّة إلى ترفيهيّة تجاريّة !

السفرات المدرسية .. من علميّة تثقيفيّة إلى ترفيهيّة تجاريّة !

نشر في: 2 إبريل, 2016: 12:01 ص

انتهت من وضع مستلزمات السفرة المدرسية في الحقيبة الخاصة، وانتظرت الصباح حين أقلتهم الحافلة الى مدينة ألعاب الناصرية ، لحظات اولى غلب عليها الفرح والمرح، حيث أخذن بالتسابق نحو الألعاب، مجموعة منهن اتجهت صوب لعبة تسمى (ديسكفري) ، اعتلين الكراسي المخصصة

انتهت من وضع مستلزمات السفرة المدرسية في الحقيبة الخاصة، وانتظرت الصباح حين أقلتهم الحافلة الى مدينة ألعاب الناصرية ، لحظات اولى غلب عليها الفرح والمرح، حيث أخذن بالتسابق نحو الألعاب، مجموعة منهن اتجهت صوب لعبة تسمى (ديسكفري) ، اعتلين الكراسي المخصصة لكل واحدة منهن، ربطن الأحزمة بشكل جيد، إحداهن أبلغت مسؤول الألعاب ان الكرسي مكسور وان الحزام لايربط ، حسب ما ذكره شهود عيان، لكنه أجابها : لاتخافي. وما ان دارت اللعبة وارتفعت في الفضاء حتى حلقت الطالبة في الفضاء حيث سقط جسدها على الارض وصعدت روحها نحو السماء.. على إثر ذلك وجهت مديرية تربية ذي قار بوقف جميع السفرات المدرسية الى مدينة ألعاب الناصرية، لحين انتهاء التحقيق في مصرع الطالبة بما لا يزيد من الحوادث في لعبة قد تسمى "لعبة الموت."

توصيات وتحذيرات
فرحة كبيرة كانت مرسومة على وجوه التلميذات وهن يصعدن الباص في سفرة مدرسية نحو احد الاماكن الترفيهية في بغداد حيث اوصلت ابنتي زهراء، طوال الطريق كنت اعيد عليها التعلميات والتحذيرات من الالعاب الخطرة وضرورة البقاء قرب زميلاتها والمعلمات، على مقربة مني كانت احدى الامهات تطلب من المعلمة الانتباة الى ابنتها وان تمنعها من صعود الألعاب الخطرة، ام اخرى كانت تنبّه ابنتها امام المعلمة بضرورة عدم الابتعاد والانفراد، وهكذا بقية الأمهات اللواتي رافقن بناتهن الى الباص المتوقف في باب المدرسة.  
السفرات المدرسية التي تنظمها إدارات المدارس الآن تحولت من سفرات تعليمية تثقيفية الى ترفيهية تجارية مقلقة للكثير من العوائل التي ترضخ لضغط اولادها وبناتها بالموافقة على الاشتراك بالسفرة وبالتالي تطول فترة القلق اليومي وتزداد ساعاته.   

توطيد العلاقة
حمزة عبد الهادي - مدرس متقاعد- بيّن لـ( المدى ) ان تنظيم السفرات المدرسية سابقاً كان يتم ضمن برنامج محدد وهدف علمي اولاً ثم يأتي الترفية ثانياً. مضيفا: لذلك كانت السفرات تنظم مسبقاً الى المتاحف الوطنية او الاماكن الاثرية المعروفة في البلاد ليطلع الطالب بشكل ميداني على ماتعلم خاصة في التاريخ والجغرافيا.
عبد الهادي أوضح : بسبب الوضع الاستثنائي الحالي تتجة ادارات المدارس الى تنظيم سفرات مدرسية الى الحدائق العامة والمتنزهات ومدن الألعاب خاصة الأهلية بدلا من الأماكن التراثية. معللاً ذلك  ببعد المكان او بسبب غلق العديد من هذه الاماكن. مشيرا الى ان السفرة المدرسية تعد عاملاً مهماً في توطيد العلاقة بين الطالب والمعلم وبالعكس وبين الطلبة ايضا. مبينا ان اجواء السفرة هي غير أجواء الدراسة.

الفرص الترفيهية
فيما يرى المتخصص في علم النفس الدكتور ستار نصيف بحديثه لـ(المدى) ان السفرات المدرسية هي احد الأساليب النفسية التي تلجأ إليها المدارس والمؤسسة التربوية بشكل عام من اجل تغيير الواقع النفسي والاجتماعي للطالب. منوها: خصوصاً في هذه المرحلة المهمة والاوضاع العامة التي تشهدها البلاد وتحديدا في مجال نقص الخدمات وقلة الاماكن الترفيهية.
واشار نصيف  الى أن السفرة المدرسية  تخلق أجواء جديدة من الراحة والطمأنينة تساعد الطالب على التفكير بعلمية وهدوء كما انها أسلوب لتقوية الأواصر والمحبة بين أركان العملية التربوية. مضيفاً: ان ماتعرضت له البلاد من مخاطر أمنية وتداعيات اجتماعية شرخت النسيج الاجتماعي وألغت العديد من الفرص الترفيهية التي كان الشباب يتمتعون بها.

اختيار علمي وترفيهي
واضاف اختصاصيّ علم النفس : حينما نفكر  بالأمان الذي  من شأنه ان يعيد الحياة الى طبيعتها علينا اعادة الروح الى السفرات المدرسية والاهتمام بها وتطوير برامجها. موضحا: انها تعد حافزا كبيرا لتجديد الحياة وبناء العلاقات الانسانية بين الطلبة. منوها : ان الكثير من ذكرياتنا تتركز في صور السفرات المدرسية والأحداث الممتعة التي عشناها ، لهذا ارى من الضروري ان نحث إدارات المدارس على تنظيم  السفرات المدرسية الى اماكن يمكن ان يستفيد الطالب منها كاختبار علمي وترفيهي.

تطويرالقدرات
ماجدة محمد - مدرّسة في احدى مدارس تربية الرصافة الاولى -  تقول لـ( المدى ) إن ادارت المدارس تقوم باختيار الحدائق العامة أو المناطق الأثرية أو المتحاف  القريبة من تلك المدارس مكاناً مناسباً  للسفرات المدرسية. مردفة: يمكن للمدرسة أن تستفيد من هذه السفرات من جوانب عدة ، ترفيهية وعلمية واستكشافية اضافة الى المتعة والفرح.
واسترسلت: كما يمكن لمعلم اللغة العربية ان يستغل السفرة ويقوم بتكليف الطلبة بكتابة إنشاء عن السفرة حال رجوعهم منها من اجل تطوير القدرات والقابليات  في الكتابة والتعبير عن ما شاهدوه. موضحة: كذلك معلم الفنية يمكنه الاستفادة من السفرة ايضا بتكليف الطلبة برسم لوحة تعبر عن موضوع السفرة وما شاهدوه خلالها من مناظر واحداث.
وتطرقت المعلمة : كما يمكن ان تحقق السفرة المدرسية الانطباعات الخاصة ببعض الطلبة الذين لهم نشاطات محدودة في الصف وتطوير قابلياتهم الذهنية. مشيرة الى وجود مخاوف كبيرة للهيئات التدريسية من بعض الاصابات التي يمكن ان يتعرض لها الطالب بسبب عدم وجود ( شروط الأمان ) لبعض الالعاب الخاصة والمنتشرة في عموم الساحات العامة والحدائق الكبرى ومدن الألعاب الأهلية والحكومية.

سفرات علمية
اما المدرس سعدون سالم فقد ذكر في حديثه لـ(المدى) : ان  السفرات المدرسية التي شاركتُ فيها خلال مسيرتي التعليمية كثيرة لا يمكنني حصر عددها. مستدركا : لكنها كانت متنوعة حيث شملت أغلب الأماكن الترفيهية والأثرية والتراثية في بغداد وبعض المحافظات القريبة.
واشار سالم  الى السفرات العلمية الخاصة وما كان يجنى منها من معلومات قيّمة تنفع في الدراسة. مبينا: ان هذه السفرات كانت منظمة لحد كبير ومنسقة ايضا. مشددا: ان السفرات المدرسية كانت تتيح فرص التقرب من الطلبة والتعرف على الجوانب النفسية والاجتماعية لديهم واكتشاف مواهبهم الفنية والرياضية والأدبية.

غياب المعارض والمنتديات
 في حين يرى المدرس في إعدادية السويس  احمد كيطان : ان غياب الأماكن العلمية الضرورية كالمنتديات العلمية والنوادي الثقافية والمتاحف والمعارض الفنية وغير ذلك دفع ادارات المدارس للبحث عن اماكن اخرى. مبينا : بسبب ذلك اقتصرت السفرات المدرسية على الحدائق العامة والمتنزهات  ومدن الالعاب حيث تحولت الى ترفيهية فقط. مبينا: ان العوائل العراقية مشغوله بهموم الحياة اليومية ومتاعبها ما يمنعها من القيام بالرحلات العائلية لذلك تجد ان الرحلات المدرسية فرصة كبيرة لابنائها للتغيير والخروج من النمطية وحالة الملل التي يعيشونها.

الاماكن الأثرية مغلقة
الدكتور عمر هادي حسن  ذكر في حديثه لـ(المدى) ان السفرات المدرسية  الحالية مقتصرة على المرحلة الابتدائية ولأماكن محدودة  ايضا مثل الزوراء او مدينة العاب الكرخ او مدن الالعاب الصغيرة المنتشرة في بعض مناطق بغداد. موضحا: ان هذه السفرات تبث الفرح والمرح في نفوس الطلبة وتعد فرصة لتنشيط الجسد والعقل.  واشار حسن الى ان الوقت الحاضر غير ملائم لتنظيم السفرات المدرسية بسبب ان معظم الاماكن التراثية الهامة في البلاد مغلقة أمام السفرات المدرسية او عدم امكانية  الذهاب اليها بسبب الأوضاع الأمنية. مشيرا الى  المناطق الاثرية في عكركوف واثار بابل وطاق كسري وحتى الترفيهية من المدينة السياحية في الحبانية ومنطقة الصدور في ديالى.  مؤكدا: ان  اغلب السفرات التي تقيمها ادارات المدارس هي لغرض نزهة الطلبة فقط.

ليس لدينا البديل
مدير ادارة مدرسة ابتدائية - رفض الكشف عن اسمه - يقول لـ( المدى ) إن تنظيم السفرات المدرسية او السفرات العلمية الخاصة وغيرها من السفرات يعد نفعاً هاماً للطلبة وهناك الكثير من الافكار يمكن ان تترجم الى الواقع الدراسي.  والسؤال لمدير المدرسة : أين الواقع الفعلي للمنتديات العلمية والثقافية الخاصة في وزارة الشباب؟ والجواب : انها موجودة فقط في القبة الفلكية في الزوراء.  كما بيّن ان الاماكن العامة والموجودة في الوقت الحاضر غير ملائمة للسفرات السياحية كونها تفتقر الى الخدمات ومقومات شروط الأمان في الألعاب وليس لنا البديل في الوقت الحاضر. مشددا :  ان معظم السفرات لم تحقق الاهداف المطلوبة منها خاصة العلمية.
وليمة جماعية
الطالبة "تبارك رحيم" في الصف السادس الابتدائي - مدرسة الزهور- أبدت فرحها الكبير في المشاركة بالسفرة المدرسية التي نظمتها ادارة مدرستها حيث قضت وقتا جميلا مع زميلاتها ومعلماتها وكانت فرصة جميلة ان تلتقي بزميلاتها من بقية الصفوف خارج الدوام الرسمي حيث اختارت المدرسة مدينة ألعاب الإعلام في شارع فلسطين. تبارك جلبت معها كمية طعام مناسبة وزعت البعض منها لمعلماتها وزميلاتها اللواتي  اقمن مائدة جماعية اثارت البهجة والسرور في نفوس الطلبة والمعلمات.

آثار وحضارة البلد
 مها كمال سعيد - معلمة في مدرسة الموهوبين - تقول لـ( المدى ) إن فكرة تنظيم السفرات المدرسية تأتي ضمن هدف محدود ومعروف. مبينة: اذ يجب ان تأتي ضمن الإطار العلمي كالاطلاع على المتاحف العلمية والتراثية والتاريخية من اجل زيادة المعرفة العلمية لشرائح الطلبة والاطلاع ميدانيا على آثار وحضارة البلاد .
كما اوضحت: ان هذه الزيارة لو تمت ستعطي حافزا مهما وكبيرا للطلبة لزيادة قابلياتهم العلمية والفكرية. مردفة: ان غياب العديد من تلك الاماكن اجبر إدارت المدارس على الاتجاه الى اماكن ترفيهة محدودة. لافتة الى غياب السفرات العلمية والثقافية.

أين  مسرح الطفل ؟
  في حين ترى منتهى حسين – مدرّسة - أن عودة السفرات المدرسية من جديد بعد غياب فترة بسبب الوضع الأمني جاء ليعطي الأمل للطلبة في جميع المراحل بمستقبل جديد يحدوه الأمل والتفاؤل. مشيرة الى ان المدارس في الكثير من دول العالم تنظم العشرات من السفرات والرحلات المدرسية المنهجية والعلمية. لافتة الى ضرورة ان تبادر مديريات التربية في دعم تلك الرحلات وان تشارك الوزارات المتخصصة في توفير الأماكن والأجواء لغرض الاطلاع على اداء وتجارب تلك الوزارات وكيفية الاستفادة منها في تدريس وايصال المادة الدراسية.
واسترسلت حسين : ان الهدف من تنظيم  السفرات هو لتخفيف الضغط النفسي على الطلبة. مستدركة: لكن للاسف البعض من السفرات تحول الى تجارة بين ادارة المدرسة وبعض مدن الالعاب والترفيه من خلال بعض الصفقات التي يراد منها الربح المادي فقط . متسائلة : اين مسرح وسينما الطفل التي ربّت وانشأت العديد من الأجيال.

التاريخ والسفرات المدرسية
أعادني هذا التحقيق الى أيام مدرسة المجد الابتدايئة وتحديداً في الصف السادس حين طلب منا معلم مادة التاريخ احضار الكتاب في الرحلة المدرسية الى ( المدائن - آثار طاق كسرى ) وبعد قضاء وقت طويل في الاستمتاع بأجواء السفرة والمرح مع الزملاء طلب المرحوم معلم مادة التاريخ ( عبد الرحمن الريس ) حضور طلبة الصف السادس بالقرب من موقع آثار كسرى  حيث اخذ يشرح تاريخ هذا الموقع وحسب ما موجود في المنهاج ، كما طلب من جميع الطلبة المشاركة في الحوار . منذ ذلك الحين وكل المعلومات عن آثار المدائن وطاق كسرى راسخة في ذهني وذاكرتي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram