TOP

جريدة المدى > عام > فـي صحبة الكتب..التلاميذ يفتشون في دفاتر استاذهم ماركس(7)

فـي صحبة الكتب..التلاميذ يفتشون في دفاتر استاذهم ماركس(7)

نشر في: 3 إبريل, 2016: 12:01 ص

الزمان : 1818 المكان : الجزء الغربي من المانيا  في الخامس عشر من أيار يولد  كارل هينريغ ماركس ، في تلك السنة ينشر شوبنهاور كتابة الشهير " العالم كإرادة وتصوّر  " وهو الكتاب الذي أثار ضجة كبرى  ، ولا يزال من أهم ما أنتجته الفلسفة ا

الزمان : 1818
المكان : الجزء الغربي من المانيا
 في الخامس عشر من أيار يولد  كارل هينريغ ماركس ، في تلك السنة ينشر شوبنهاور كتابة الشهير " العالم كإرادة وتصوّر  " وهو الكتاب الذي أثار ضجة كبرى  ، ولا يزال من أهم ما أنتجته الفلسفة الغربية في عصرها الحديث  ، الأمر الذي دفع مترجماً وباحثاً كبيراً مثل عبد الرحمن بدوي ان يخصص كتاباً  عن شوبنهاور يكتب فيه  :" كان حراً كأوسع ما تكون الحرية بإزاء السلطات الثلاث، فلم يحفل بالسياسة على الإطلاق.

وإن كان نصيراً للنظام ولهذا أبغض الثورة التي قامت في ألمانيا عام 1848  ، لأن فيها إخلالاً بالنظام"  ، وفي السنة نفسها تظهر شخصية فرانكشتاين في الرواية التي وضعتها ماري شيللي  ، والتي ستؤثر كثيرا على ماركس المراهق ، مثلما أثّرت به رواية والتر سكوت " ايفانهو "  التي شغلته أسئلتها عن البطل الفرد أثناء فترة شبابة ، وعندما يصبح عمره اربع سنوات يتوفى سان سيمون  اول من آمن بفكرة التطور  وان المجتمع لا يثبت على حال  وهي الفكرة التي ناقشها ماركس فيما بعد من خلال نقده لمبدأ سان سيمون القاضي بأن الاشتراكية والعدالة يمكن أن تتحققا  على يـــد مستبد مستنير ، ويُقال إنه ظل يمطر نابليون بالرسائل  يناشده بأن يحقق العدالة الاجتماعية  في أوروبا.
يدرس ماركس الشاب القانون تنفيذاً لرغبة والده  ، لكنه يكتشف الفلسفة  التي ستكون ميدانه الأساسي ومعها يقول في رسالة الى حبيبته وزوجته فيما بعد ، إنه وجد ما يبحث عنه أخيراً ..  في الفلسفة يكتشف استاذه  الاول هيغل معلم الفلسفة الالمانية المطلق وسرعان ما ينضم الى جماعة الهيغليين الشباب ، يكتب لوالده انه يريد ان يترك القانون  ، فقد احدث هيغل تقلباته في نفسه وهو يريد ان ينتهي من هذا القلق الذي يعيشه. بعد عام يكتشف بالصدفة  نصوص فيورباخ الاستاذ الذي طـُرد من الجامعة لأنه انتقد هيغل بقسوة  ، فيما ينكب ماركس على دراسة شتى الفلسفات  يضع قواعد لدور الفيلسوف في المجتمع  ، هذا الفيلسوف الذي يجب عليه وهو يقول الحقيقة ان يُسهم في تغيير المجتمع.
************
الزمان : 1841
المكان : باريس
الشاب ماركس الذي جاء الى باريس ليجرِّب حظه في الصحافة ، يصادف شاباً اصغر منه بعامين  ، يرتبطان منذ اللحظة الاولى بصداقة  تنتج عشرات المؤلفات انه فريدريك انجلز ، في تلك السنة يقرأ ماركس كتاب فيورباخ الشهير " جوهر المسيحية " الذي يؤكد فيه ان من اجل السماح بارتقاء مجتمع انساني يجب على الفلسفة ان تجد امتدادها في السياسة  القادرة وحدها على تحرير الانسان من أغترابه بالغاء الملكية . ولهذا كما يقول فيورباخ يجب توحيد البشرية المعذبة  والبشرية المفكرة المضطهدة  أي العمال والمثقفين  ، ويجب تحويل الدولة جذرياً لأنها ليست كما يظن هيغل تجسيداً لمطلق فوق الطبقات، بل انعكاسٌ للعلاقات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية ، ويزداد عشق ماركس لفيورباخ  وسيؤرخ انجلز لهذا التاثير الذي مارسه هذا الفيلسوف  على تطور الهيغليين الشباب  الفكري :" كانت الحماسة عامة شاملة واصبحنا جميعا اتباعاً لفيورباخ في الحال "
في عام 1842 يكتب ماركس اولى مقالاته السياسية  بعنوان " الشيوعية " التي يعتبرها غرامشي فيما بعد الأساس الذي بُنيت عليه الفلسفة المادية  ، في هذه المقالة يشرح ماركس للمرة الاولى  مفهموم الشيوعية ويُعيد أصولها الى الفيلسوف أفلاطون ، في تلك السنة يعكف مع زميلة انجلز على مراجعة كتب سان سيمون   وتسحرهما مقولات برودن التي كان يوجهها ضد الملكية : " ما هي الملكية إنها ترفٌ مرفوضٌ " .
ويرى ماركس عندئذ ان الاقتصاد اساس لكل العلوم الاجتماعية ، ولاشيء يمكن الافلات من قوانينه ، فيقرر التصدي لاشتراكية  سان سيمون الطوبائية  ليبتدع الاشتراكية العلمية فيكتب : " ان الفعل الذي يبني المنظومات الفلسفية في دماغ الانسان هو نفسه الذي يبني سكك الحديد بيد العمال "
 ويذهب بعيدا فيقرر التصدي لمعلمه الاول هيغل ، فينشر كتابه الشهير " نقد فلسفة هيغل في الحقوق  " حيث يقترح  قلب الجدل الهيغلي لوضعه على قدميه أي الانطلاق ليس من النظريات  ، وانما من ظروف الحياة الواقعية  ويصوغ لاول مرة فكرة ان الوظيفة  التاريخية للبروليتاريا هي قلب الرأسمالية  ويكرر على خلاف هيغل  ان الدولة ليست هي التي تُسيِّر التاريخ ، بل التاريخ هو الذي يُشكل الدولة ، وان الانسان لا يتمكن من التحرر الا بأفعاله وليس بنزوة مُحسن  او بارادة دكتاتور متنور إذ لا يمكن للثورة ان تأتي إلا من خلال طبقة اجتماعية محررة بامتياز.
************
عندما ينشر ماركس رأس المال يرسل نسخة منه الى تشارلز داروين الذي يكبره بتسعة أعوام مع إهداء يقدّم نفسه فيه كأحد المعجبين المخلصين ، فيبلغه داروين باستلام الكتاب معتذراً بأدب بانعدام الكفاءات اللازمة لقراءته
في عام 1868 تظهر الترجمة الاولى لرأس المال في روسيا ، ولم يُبع الكتابُ في مكان بمثل ما مُباع في موسكو ، أعطت الرقابة الروسية موافقتها على نشر الترجمة وجاء في تقرير الخبير " على الرغم من ان معتقدات الكاتب اشتراكية ، الا ان طريقة العرض التي يتبعها لا تجعل الكتاب مفهوماً من الجميع لذا ترى اللجنة انه يجب ان لا يُحظر "
عام 1918 يفتتح لينين أول نصب لماركس في موسكو ، ويلقي خطابا يقول فيه : " ستتذكر الاجيال القادمة كارل ماركس المنبوذ الذي وهو يبكي أطفاله الموتى في بؤسه اللندني ، حلم بانسانية افضل ، وسيتوجهون عندئذ صوب أفكاره ورسالته الرئيسية :  يستحق الانسان ان يكون محطاً للآمال.
************
كان على فراش المرض في 1978 ، ما بين غياب وصحو، حين سأله محرر الكتب في النيورك تايمز: " هل كنت تتصور ان كتابك " الانسان ذو البعد الواحد " الذي أشعل الانتفاضات في اوروبا قبل عشرة اعوام ، يمكن ان يذهب الى النسيان بهذه البساطة ؟" لكن هربرت ماركوز كان في تلك اللحظة يفكر فيما اذا كانت سنوات حياته التي شارفت على الثمانين ذات جدوى ، تذكر انه ذهب ذات يوم الى المعلم هيدجر ليسأله السؤال ذاته: هل يأتي ذلك اليوم الذي يطوي النسيان كتاب الوجود والزمان؟ كان هيدجر آنذاك مهموماً بطرح الاسئلة ، وبإكمال المشروع الوجودي الذي وضعه استاذه هوسرل، وذلك عبر استخدامه لكل الوسائل الفلسفية للإجابة عن السؤال الأساسي الذي شغل بال واضع الفلسفة الظاهراتية : ما هو الوجود؟
لم يكن استاذ الفلسفة الذي تخصص في دراسة فكر هيغل وكرَّس حياته العلمية لإثبات ان فكر معلم الفلسفة الالمانية يحتوي على عناصر منها ما هو ثوري ومنها ما يُمهِّد مباشرة للثورة ، وكان كتابه (هيغل والثورة) قد أثار حفيظة الحركة الديمقراطية الشعبية الالمانية التي رأت فيه محاولة لتجميل صورة فيلسوف كان يؤمن " بالبطل المطلق "، لم يكن هذا الاستاذ وقد بلغ من العمر سبعين عاما يحلم بأنه سيصبح واحداً من نجوم المجتمع الغربي تحاصرة الفضائيات ويرفع الشباب والطلبة صوره في شوارع باريس وجامعاتها ، ويتحوّل كتابه " الانسان ذو البعد الواحد " عام 1968 الى إنجيل لشباب اوروبا الغاضب والحالم بالتغيير .
************
سمع وهو يجلس في مكانه المعتاد في زاوية من المقهى يدخن غليونه ويكتب ويقرأ ، اسمه يتردد على لسان فتاة جميلة منشغلة بحوار ساخن مع زميل لها :
-  سارتر أصبح من الماضي، هكذا قالت الفتاة.
-  إذن مَن هو المؤهل بنظرك لكي يُلهم هؤلاء الشباب؟ قال زميلها:
-  لا يوجد أحد على التعيين ، لكن نحتاج الى قائد فيه شيء من جيفارا واشياء من هوشي منه وأفكار من ماركيوز .
قال الشباب : لكنهم جميعا ليسوا فرنسيين.
- الثورة لا وطن لها ألم تقرأ ما فعله ريجيس دوبريه.
كان دوبريه قد رمى قبل ثلاثة اعوام مُتع باريس ولياليها الساحرة وراء ظهره ، واتجه صوب كوبا حيث يبدأ أولى رحلاته في عالم الثورة الضاج بالمواقف والحروب والسجالات.. ابن العائلة الثرية لم يحمل معه سوى حقيبة ملابس وكتاب الثورة المغدورة لتروتسكي..هناك تبدأ رحلته الأولى في الجبال والأدغال برفقة جيفارا وكاسترو.
وضع غليونه جانبا وهو ينظر الى الفتاة التي كانت تحمل نسخة من كتاب الانسان ذو البعد الواحد، فصاحب الوجودية فلسفة إنسانية ظل حتى يوم امس يعتقد ان كتبه هي التي تحرِّض الشباب وان الوجودية اصبحت اليوم بديلا لكل الفلسفات ، فهل يعقل ان يسيطر كاتب يحاول ان يجمع بين ماركس وفرويد في إناء واحد ، من ان يصبح مُلهماً لشباب اوروبا؟
لم يكن سارتر قد أدرك بعد ان الكتاب الذي أهدته اليه سيمون دي بوفوار وطلبت من ان يقرأه بتمعّن، يمكن ان يحقق هذا النجاح ، وكان قبل اشهر قد كتب عن الانسان ذو البعد الواحد في مجلة الأزمنة الحديثة مقالا ينتقد ادارج ماركيوز الطلبة والشباب ، بين هؤلاء الذين هم بلا أمل او بين الفئات الاجتماعية المنبوذة ، فالطلبة في رأي سارتر ينتسبون الى الفئات الاجتماعية الوسطى والصغيرة ويعيش أغلبهم على دخول اولياء امورهم ، ويرى سارتر ان استبعاد ماركيوز للطبقة العاملة من القوى الثورية الجديدة ، خطأ لا يُغتفر .
يتذكر سارتر جيدا ان صديقه اللدود البير كامو كان متحمسا لكتاب ماركيوز هذا ، وقد أقنع صديقه الناشر غوستاف غاليمار قبل ان يتوفى بأشهر ان يترجم كتاب " الانسان ذو البعد الواحد " الى الفرنسية ، وحين صدرت طبعته الاولى لم يحظَ بالقبول وبقيت نسخه مكدسة في مخازن غاليمار!
************
أيار عام 1968 شوارع باريس تكتظ بالطلبة الغاضبين الذين يرفعون عبارة " إرحل " في وجه ديغول ، في ذلك الزمان الذي نشرت الصحافة فيه صورة لسارتر وهو يصعد على أحد البراميل يوزع المنشورات التحريضية ضد الجنرال ، كان الطلبة يتداولون كتابا ظل مجهولا لسنوات لمؤلف الماني يعيش في اميركا اسمه هربرت ماركيوز، اما الكتاب فكان بعنوان الانسان ذو البعد الواحد ، والكتاب يفسر لماذا على الطلبة ان يغضبوا ويقودوا التغيير ، ويغذي فيهم روح الثورة والسخط على الاوضاع ، حيث يحتل النقد الاجتماعي والسياسي الجانب الأكبر في تفكير ماركيوز ويشغل العدد الأكبر من معطم صفحات كتبه ، ولا يقتصر النقد على نظام معين، بل انه ينتقد كل النماذج الموجودة سواء كانت رأسمالية او اشتراكية ، وهو يرى ان الاحادية هي مرض العصر ، فالانسان ذو بعد واحد في المجتمع الراسمالي الحديث ، وفي التطبيقات الاشتراكية التعسفية ، ان البعد الواحد باختصار هو سمة العصر الحديث في أشد صور بؤسه وانحطاطه .
كانت وسيلة ماركيوز لكي يقدم نظريته عن انسان البعد الواحد ، ان يعيد قراءة اعمال ماركس الشاب ، الى جانب اعادة تفسير افكار فرويد ليمزجهما بحيث تنتج فلسفة جديدة تلائم روح الحاضر .، فماركيوز يؤمن بان أن الآلة في المجتمع الرأسمالي تتطور لتقلل جهد العامل والعقول الالكترونية والسفر الى الفضاء ، لكن هذا المجتمع الذي يُسمى مجتمع الرفاهية او الوفرة ، هو مجتمع زائف ، لماذا ؟ يجيبنا في كتابة " الانسان ذو البعد الواحد " قائلا: التكنلوجيا توفر ، لكنها تفرض نوعا جديدا من الاستبداد " المقبول " ، فالمجتمع الصناعي وبسبب تطور التكنلوجيا يعطي مزيدا من الوقت الفارغ ، ولا يعطي الوقت الحر ، وهو يمنح ابناءه مزيدا من الفراغ ، لا مزيداً من الحرية .
ويحلل ماركيوز ظاهرة حلول التكنلوجيا محل الاستبداد ، بان مجتمع الوفرة يشدد قبضته على الانسان بوسائل علمية حديثة ، بعضها منظور وبعضها مخفي وأخطر من كل هذا انه يجعل الانسان يقبل الاستبداد مقابل بضع مواد استهلاكية .
لقد وجهت انتقادات عديدة لآراء ماركيوز ، منها انه يغفل تصوير التناقضات داخل المجتمع الراسمالي ، ولكنه يصر على ان الطبقة العاملة في هذا النظام لم تعد تملك الحرية ، ولا القدرة على الانتقال بالمجتمع الى التغيير الكيفي ، ويلاحظ ماركيوز في الانسان ذو البعد الواحد ، ان ابناء الطبقة العاملة هم الذين سيصبحون في المستقبل التكنوقراطيون والعلماء والمهندسون واصحاب رؤوس الاموال ، وبمعنى آخر فان فرصة الانتقال بهذا المجتمع انتقالا كيفيا تتضاءل ما دامت مستمرة في تطوير وسائل التحكم الشامل في الرأي العام .
ولهذا لم يُفاجأ ماركيوز ، حين تبنى الطلبة افكاره ونشروا كتاباته ، لانه ظل يؤكد مراراً ، ان الطلبة هم الفئة التي لم ترتبط بعد بعجلات الانتاج والمصالح الاقتصادية التي قضت على الامل في تغيير المجتمع تغييرا كبيرا .
************
كان والده قد توفى وهو لم يزل صغيرا ، وعملت امه في تنظيف المنازل. ولذلك قال يوماً لأراغون : " ما دامت أمي قضت حياتها تعمل وتكدح فانا منحاز لماركس حتى وان اختلفت مع الحزب الشيوعي " ، يدين صاحب واقعية بلا ضفاف بتفوقه في الحياة لجدته التي علمته ان لا شيء مستحيل في الحياة ، في روايته من اكون باعتقادكم نجد البطل ينظر بحب الى كبار السن ، ويحاول ان يمنحهم القدرة على العطاء ، وربما كان اكثر المفكرين تعرضا للنقد ، كانت البداية مع النظرية المادية في المعرفة التي لفتت الانتباه اليه والتي وصفها الزعيم الشيوعي الفرنسي موريس توريز بانها اهم دراسة عن الماركسية في العصر الحديث ، لكن توريز كان يلاحظ دوما ان غارودي يكثر النقاش حول مسائل في الماركسية من المفروض انها مسلمات ولهذا قال له ذات يوم :" كن حذرا بخصوص استنتاجاتك ، وكن معتدلا ولا تدر ظهرك لماركس بهذا الشكل "
كان غارودي في الثلاثين من عمره حين استعد لمراجعة مخطوطات ماركس ، عرض عليه توريز بدلا من ذلك ان يدرس هيغل ليكون مدخلا للكتابة عن المعلم ، استغرق كتاب فكر هيغل خمس سنوات من العمل الجاد ومراجعة كاملة للفلسفة الالمانية يخرج الكتاب الى النور فيكتب توريز :" لقد اعطانا غارودي مفتاح المضي في فلسفة تؤول العالم الى كفاح شعاره في البدء كان العمل "
************
لم يلتزم كثيرا بنصيحة موريس توريز حين حذّره من الانزلاق الى مواقف تتعارض مع السياسة التنظيمة للحزب الشيوعي الفرنسي ، الذي كان عضوا في لجنته المركزية ..لكنه واصل طرح وجهات نظر مغايرة لتلك التي كان يطرحها ايام شبابه حين عُرف عنه تعلقه بستالين وعشقه له ، لكنه في هذه المرة أخذ يهاجم الجمود لدى الاحزاب الشيوعية الاوروبية لانها تمارس دور الكومبارس للساكنين في الكرملين . كانت الانعطافة الكبرى عام 1966 ، كان غارودي قد بلغ عقده الخامس ، كتاب ماركسية القرن العشرين يظهر في الاسواق ليحدث ضجة ، فالشيوعي المعجب بمنطق ستالين وخصص له كتابا" النظرية المادية في المعرفة " ، يقول لمراسل الموند : " لماذا يريدون مني ان أموت وأُفقي ضيق ، لقد تعلمنا ان نعيش في الحزب ولم نتعلم العيش في الحياة ، ها انا انظر ابعد من الجدران التي يريدون مني ان اعيش داخلها ، الأُفق يخلق عالما آخر "
يكتب غارودي في مقدمة " ماركسية القرن العشرين ، ان الماركسية فلسفة نقدية على عكس ما صورها الستالينيون من انها " جامدة " ثابتة لانها لو اصبحت كذلك لتعرضت للفشل ، وحتى الزوال شأن الفلسفات المثالية :" ان الماركسية تطمح اليوم الى التوحد مع الاشياء وفعل الانسان الذي يغيّر هذه الاشياء ومن هنا اتصفت بأنها مادية وهي جدلية ، لأنها لا تتوحد الى بناء مذهب قطعي مكتمل الاركان كلي شامل يصطدم بأية تغيرات في الوجود " اما الاقتصاد فانه حسب غارودي يلعب دورا حاسما في التاريخ من دون ان يكون هو المحرك الوحيد ، وبقدر ما كان ماركسية القرن العشرين ، يحمل طرحا جديدا لتاكيد النظرية الماركسية ، فانه يحمل ايضا رفضاً لإضافات شوّهت نقاء فكـر ماركس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا
عام

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

ديفيد سبيغنهولتر*ترجمة: لطفية الدليميقريباً من منتصف نهار التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 1949، وفي محيط من الضباب الكثيف، عندما كانت طائرة من طراز DC-3 العائدة لشركة الخطوط الجوية البريطانية في طريقها من بلفاست...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram