الذاكرة ، رائحة المكان ، الأشخاص ، حتى الغبار المتناثر والهواء ، هي هويتنا التي ننتمي لها مادامت عالقة بذاكرتنا وممتزجة بنا ، الهوية والانتماء إلى المكان ليست حبراً على ورق ، بل هو أن يسكننا الوطن والمكان ، بكل ما يحمله من ذكريات .ولا أصعب من أن تزرع
الذاكرة ، رائحة المكان ، الأشخاص ، حتى الغبار المتناثر والهواء ، هي هويتنا التي ننتمي لها مادامت عالقة بذاكرتنا وممتزجة بنا ، الهوية والانتماء إلى المكان ليست حبراً على ورق ، بل هو أن يسكننا الوطن والمكان ، بكل ما يحمله من ذكريات .
ولا أصعب من أن تزرع جذورنا في مكان ، ونولد في مكانٍ آخر ، فهذا ما يولد الضياع لكُل مغترب ترك جذوره ووجد ولادته في وطنٍ جديد ، إلا أن ما يزيد الأمر سوءاً أن يكون هذا الضائع فناناً ، فالفن يجعلنا نرى الأشياء بعمق قسوتها ، وأن نتذوق الألم بحق مرارته ، ونرسم ما يُثير دهشة وبهجة الآخرين من وجع القلوب .
العشاء الأخير في بغداد ، هذا كل ما تبقى في ذاكرة الفنان التشكيلي أمجد كويّش والذي ترك جذوره في ليلةِ حزنٍ قضاها مع عائلته ، فلم تغب تلك الصورة عن ذاكرته وظلت ترافقه في مشواره ، فقرر تجسيدها بعد أن ولد في وطنٍ آخر وحمل هوية أخرى ، ما جعله يتخبط بين جذوره وولادته الجديدة ، ليعرض حزنه بعمل مزج بين البساطة والعمق ، من خلال عروض للفن المعاصر "فيديو آرت" قدمه في مؤسسة برج بابل مساء يوم السبت الفائت .
أمجد كويش في حيرةٍ من أمره حين قدم نفسه قائلا "فنان عراقي هولندي" ، يقول ان فكرة العمل "العشاء الأخير" نسبةً إلى آخر ذكرى ظلت ترافقني وهي عشائي مع عائلتي وأقاربي في بغداد وقبل رحيلي .
وأضاف كويش :الأسلوب الذي أتبعه في عملي هو لوحة كلاسيكية مستوحاة من لوحة دافنشي "العشاء الأخير" إضافة إلى عرض فديو آرت "فن معاصر" الأول عن الهوية ، والثاني الاشتياق إلى المكان منزلي وطني ، وهذا الفن جديد في العراق ولم يتم عرضة بكشل واسع لهذا أحببت أن أجسد تجربتي بعمل معاصر وحديث .
وأكد كويّش قائلاً :"ما زلت أعيش هذا الصراع بين هويتي الحقيقية ذاكرتي وأهلي وأقاربي ، وولادتي المتأخرة في هولندا ."
الجانب الفني للعمل تحدث عنه الفنان التشكيلي كريم سعدون قائلاً " اللوحة جاءت تكميلية للعمل ، أما اشتغال أمجد كويش على موضوعة أو مفهوم الغربة والاغتراب من خلال فديوين الاول باستخدام الخارطة كمعيار لدلالة المكان ، الفيديو الاخر اشتباك بين هويتين "المحلية والجديدة" فهذه الهوية تشكل اشكالية لدى اللاجئ او المغترب وخصوصاً الفنان ، وكيف يعيش بين هويتين الأولى كيفية مد جذورة والثانية الهوية الاصلية الجذر." مؤكداً " كل الفنانين المغتربين يعانون من هذه الإشكالية أين يضعون أنفسهم بين هاتين الهويتين ، فيبقى الفنان ابن جذوره ."
وأضاف سعدون :اشتغالات الفنان جديدة وبسيطة وبها قوة مفهومية " السهل الممتنع " فبقدر ما الموضوعة بسيطة ويحمل مفهوم معقد ودراسات كثيرة ، محاولا من خلالها إيجاد هوية في كيفية التوفيق بين هوية محلية وهويته الجديدة ، في حال لم يرتحل إلى بلاد الهجرة فهو محمل بأرث متكامل ."الرؤية العاطفية تختلف تماماً عن الرؤية الفنية ، وحيث تربط الفنان عقيل خريف علاقة صداقة كبيرة وعميقة بكويش هذا ما جعل خريف يتحدث عن العمل من الجانب الإنساني باعتباره عرضاً ناجحاً .
وقال خريف "العرض معاصر يتضمن فيلمين فيديو آرت ، ولوحة كبيرة مستوحاة من دافنشي ، ومأخوذة من بيئته الفنان ."
وبين خريف قائلاً " لعشاء الأخير كان مع عائلة الفنان ، وفي الغربة بدأ يحن لهذه الاجواء وبدأ ينصدم بفعل الهوية من خلال مقارنات ، وبدأ التمني بأن الجواز العراقي يحمل نفس سمات الجواز الهولندي ." مؤكداً أن " العمل مشغول بطريقة تعبيرية حاول خلالها الفنان نقل هاجس هذا العشاء من خلال العائلة ، وكان العرض ناجحا بشموليته ."