في منتصف الثمانينات، قرأت"اصل الاخلاق وفصلها"لنيتشه وتحولت الى شخص اخر، لم أعد بعدها ذلك الشاب الذي كنت اعرفه، تخليت عن تلقائيتي و طيشي البريء كما بدى لي ، وكان هذا اول الكتب التي أستطيع ان أقول انها اثرت بي وادركت مبلغ هذا ال
في منتصف الثمانينات، قرأت"اصل الاخلاق وفصلها"لنيتشه وتحولت الى شخص اخر، لم أعد بعدها ذلك الشاب الذي كنت اعرفه، تخليت عن تلقائيتي و طيشي البريء كما بدى لي ، وكان هذا اول الكتب التي أستطيع ان أقول انها اثرت بي وادركت مبلغ هذا التأثير في الحال،
"في حين ان الانسان الحقود ليس صريحا ولا ساذجا، ولا مخلصا تجاه ذاته. فنفسه مريبة، وفكره يعشق الخبايا والدهاليز والسبل الخفية، وكل ما يتخفى ويتوارى يأسره ويستهويه، هناك يستهدي الى عالمه وطمأنينته وراحة باله. ان يتقن الكتمان، وعدم النسيان، والانتظار، والتقوقع المؤقت، والاستذلال."
في الحرب العراقية - الايرانية، وعندما التحقت جنديا في صنف المشاة، قرأت"اللامنتمي"لكولن ولسن، وأصبحت جنديا جيدا، بل محاربا جيدا، لقد عدت الى طيشي واستهتاري بالحياة مع قليل من سلبيتي التي تركها نيتشه في أعماقي، كنت احفظ عبارات عديدة من هذا الكتاب واتسلح بها ضد الخطر."حين نكون في وسط الحياة فاننا في الموت"
قرأت"الاحمر والاسود"لستاندال تقمصت شخصية جوليان سورال، بطل الرواية، واصبحت الحرية بالنسبة لي هي التوغل في الخوف، وعندما قرأت"الجريمة والعقاب" تحولت الى راسكولينكوف بطل دستوفسكي، صرت ابحث عن مجد حقيقي، مجد نابليوني، تخليت عن طموحاتي المتواضعة لبضعة ايام. بعد الحرب قرأت شعرا كثيرا، كثيرا جدا، وقرأت روايات كثيرة ايضا، قد تكون ساهمت في تطوير ذائقتي الأدبية ولكنها لم تعصف بي من الداخل.
قرأت كتابا عن"فنجنشتاين" لجون هيتون كما اتذكر، وبهرتني طريقة حياته، التي كانت مجالا لاختباراته المعرفية، فهذا الفيلسوف العظيم جعل من مشروع حياته الشخصية مادة لاختبار الوجود، وهو بذلك اقرب للعدمية من الدرس الاخلاقي النيتشوي ، لم اعرف شخصية معرفية تطابقت مقدماتها النظرية مع اُسلوب حياتها كما هو الحال مع فنجنشتاين .
مقالات"إيزايا برلين" التي جمعت في كتاب وصدرت بالعربية عن دار الساقي، كان لها عميق الأثر في رؤيتي لقيمة الاختلاف الثقافي مع الاخر، فهم الاخر وليس بالضرورة الاتفاق معه، ثم جاء كتاب"القسوة والصمت"لكنعان مكية ليمنحني ذلك الإحساس الجديد بمعنى ان تكون مع الانسان ضد كل الأفكار والايدلوجيات والمقولات الكبرى، انني حقاً مدين لهذا الكتاب، الذي حررني من بقايا التعصب في داخلي وساهم كما اعتقد في تنقية وجداني كإنسان الى حد بعيد.
اشكر داريوش شايغان، ذلك المفكر النادر في كشف ملابسات الانتماءات والهويات والية تسللها الى جوهر نظرتنا للعالم، حقاً اصبحت بعد قراءة كتابه"النفس المبتورة"عدة مرّات، ليس كما كنت قبل ذلك.
مشروع محمد عابد الجابري النقدي، كان له كبير الفضل في اكتشاف آلية العقل الذي انتمي اليه وأدوات التفكير التي من خلالها يشتغل هذا العقل، لا أستطيع ان أنكر اثر ذلك في تكويني الثقافي ، وحتى مع النقد الذي طرحه جورج طرابيشي ضد المشروع، والذي فيه من الحقيقة الكثير، لم يمح اثر الجابري الواضح في طريقة وعيي الشخصي للثقافة التي ارى العالم عبر عدساتها و أستوعب طرائق اشتغالها.
كتاب"الفن"لكلايف بن، اسهم بشكل عميق في طريقي فهمي للأعمال الفنية او لنقل فهمي لجدوى للفن بحد ذاته.
كتاب"التأويل والتأويل المفرط"لامبرتو ايكو (بالاضافة الى بعض مؤلفاته النظرية الاخرى) اثر في طريقة استقبالي وحدود تدخلي في تلقي الرسائل المعرفية والأدبية التي تردني من مجمل قراءاتي ومشاهداتي الفنية.
"الجنس والمدينة"كتاب سخيف، اصبح مسلسلا أمريكيا شهيرا، كتاب سطحي جدا، واستهلاكي جدا، ولكنه منحني فرصة الاحتفاء بالسطح ايضا، بالحياة كما هي، بلذة الحياة في مجتمع استهلاكي، ساذج، عفوي، تلقائي، مهموم بالحاجات المباشرة والمفتعلة للجسد الإنساني ورغباته، لا أستطيع ان أقول انه ترك اثرا عميقا في داخلي، ولكنه منحني موهبة اكتشاف لذة الحياة (ما بعد الضرورية) بكل تشظياتها وعدم اتساقها.
قبل كتاب الجنس والمدينة، كان بودريار في كتابه"المجتمع الاستهلاكي"، قد عرفني على العالم الان، العالم هذا اليوم، عن معنى ان أكون كائنا يستهلك ما لا يحتاج، كان درسا مهما لي كي انتمي جيدا للزمن الذي احيا بداخله ولكن مع وعي نقدي لاباس به لهذا الانتماء والاحابيل التي تستدرجني اليه.
اعتقد إنتي تجاوزت عدد الكتب المقررة في هذا الاستطلاع، واعتذر عن ذلك، ان في ذاكرتي الان عشرات العنوانات التي اشعر بالذنب تجاهها، لانني تخطيتها مضطرا، في الحقيقة ان بعض الكتب تترك تأثيرها عليك دون ان تشعر بذلك، هناك جمل قصيرة تغير من اتجاه نظرتك للامور وانت لا تعي طريقة تسربها الى مكانها في "فاهمتك"فما بالك بكتب مهمة من مثل مؤلفات كارل بوبر وأريك فروم وشتراوس وباشلار وبارت وكلاستر وسواهم .
هل ينبغي علي الاعتذار من إيمانويل كانت، وسبينوزا، وجون لوك وروسو ومونتيسكيو وفولتير وهيدغر ودولوز ،، شكرًا للسماء انني لا احب هيغل وماركس ودريدا وكذلة هابرماس وادورنو،،
شكرًا للسماء ان الشعر ومنذ وقت مبكّر، لم يعد يعني لي الشيء الكثير ، كذلك هو الحال مع الدراسات النقدية في مجال الأدب تحديداً.
اعتذر من د. خالد السلطاني ومن قبله محمد مكية ورفعت الجادرجي ومعاذ الالوسي،، ان كتبهم جعلتني أتحسس المكان الذي اعيش فيه، جعلتني استخدم الامكنة على نحو افضل وعرفتني على نشأة عمارة المدينة التي ولدت فيها