TOP

جريدة المدى > تحقيقات > ماذا قدَّمنا إلى بغــداد لنُحافِظ على شيء من جماليتها ؟

ماذا قدَّمنا إلى بغــداد لنُحافِظ على شيء من جماليتها ؟

نشر في: 7 إبريل, 2016: 12:01 ص

ماذا قدَّمنا كمواطنين للمحافظة على ما بقي من جمالية مدينتا العزيزة بغداد؟ وما الذي يمكن أن نُسهم  به في التقليل من آثار التشوهات التي لحقت بأحيائها ؟ وكيف انعكس غياب القانون وعدم احترامه سلباً على الأماكن العامة في بغداد ؟ وهل أن امانة بغداد او

ماذا قدَّمنا كمواطنين للمحافظة على ما بقي من جمالية مدينتا العزيزة بغداد؟ وما الذي يمكن أن نُسهم  به في التقليل من آثار التشوهات التي لحقت بأحيائها ؟ وكيف انعكس غياب القانون وعدم احترامه سلباً على الأماكن العامة في بغداد ؟ وهل أن امانة بغداد او مجلس محافظتها هما الجهتان الوحيدتان اللتان تتحمّلان  مسؤولية  القيام  بهذا الواجب ؟ هذه الأسئلة وغيرها قد تُشغل بال كل مواطن وهو يشاهد أصحاب البسطيات في شارع الجمهورية وبالتحديد في منطقة الشورجة  يرمون صناديق الكارتون وغيرها في الشارع  عشوائياً من دون أن يُكلف أحدٌ نفسه مسؤولية تجميعها في مكان واحد!
توجهت الى أحدهم وهو شاب تجاوز العشرين من العمر ويبيع  الصابون ومساحيق الغسيل والشامبو لأسأله عن سبب رمي مخلفات بضاعتهم بهذه الطريقة؟ سكت برهة وقال: لا تهتم الأمانة بها سترفعها ليلاً، وبصراحة متناهية قال: نحن لا نحترمُ القانون ولا نُبالي بالنظافة !

هل ننتقـد أنفسنا؟
هذا الموقف دفعني للقيام بجولة في عدد من أسواق وأحياء بغداد في جانبي الكرخ والرصافة وتسجيل عدد من المشاهدات بشأن مسؤولية المواطن تجاه مدينته. فجميعنا وفي مجالسنا الخاصة والعامة نتحدث عن حبنا لبغداد العاصمة ونوجِّه النقد الى هذه الجهة او تلك لتقصيرها ليس في تطوير جمالية المدينة التي تغنى بها الشعراء وتاق لزيارتها القاصي والداني.. ليس هنالك من شك عن صدق تلك المشاعر النبيلة خاصة عند البغداديين ممن تعايش او سمع الكثير عن ما يُميّز أحياء مدينته وما تضمُّه من معالم حضارية.. لكن  ايضاً كم واحداً منا سأل نفسه يوماً عما قدَّمه لبغداد ليترجم هذا الوفاء للعاصمة الى فعلٍ بسيطٍ  لا يحتاجُ منه إلا لفعل بسيط لا يتجاوز التزامه بنظافة الشارع أو الحي او المكان الذي يستحصل منه رزقه؟! كم واحداً امتلك الشجاعة لينقد نفسه وهو يرى صور أحياء وحدائق عامة في العاصمة كانت اجمل وأبهى مما هي عليه الآن ؟!

فوضى تحتاج إلى تنظيم
في الكاظمية وابتداءً من ساحة عدن الى ساحة الزهراء وشارع     ( باب الدروازة ) والفضوة وشارع باب المراد مشاهد من فوضى نصب البسطيات لبيع مختلف البضائع والسلع وحتى الخضراوات .. ولسنا مع محاربة هؤلاء الناس في رزقهم لكننا ندعو الى تنظيم يحفظ لهم رزقهم من دون تشويه وجه المدينة .. يقول حسين الكاظمي صاحب بسطية لبيع لعب الأطفال : منذ سنوات وانا اشغل هذا المكان على الرصيف وقد دفعت لصاحبه الذي كان قبلي مبلغاً غير قليل من المال وكما ترى فإن الشارع نظيف نسبياً، مستدركا: لكن المشتري احياناً يقوم بفتح العلبة ويرميها في الشارع! فماذا أفعل له لست شرطياً ولا بلدية ؟

الذهب وسقوط العمارة
ويُشير المهندس إحسان عباس المحروس الى بعض مظاهر التشويه لجمالية المدينة ويقول: نعم يتحمّل المواطن بعض مسؤولية ذلك لأنه غير مكترث. فمثلاً يقوم الصائغ بصهر الذهب بالاستفادة من الأعمدة الكونكريتية للعمارات من دون أن يعي الآثار السلبية لتمدد الحديد داخل هذه الأعمدة، مضيفاً: الأمر الذي يعرِّض المواطن المار الى خطر سقوط بعض اجزاء العمارة كما حصل في إحدى البنايات مقابل باب المراد وأخرى مجاورة لمحلة          ( النعشخانة ). مردفاً: كما ينبغي أن لا تفوتنا الإشارة الى  مشروع تطوير المنطقة المحيطة بالصحن الكاظمي الشريف حيث تم الاكتفاء بإكساء الشوارع وتُركت الجزرات الوسطية وجوانبها من دون تشجير او أدنى اهتمام وهي مسؤولية الأمانة ربما بسبب الأوضاع المالية للبلد.

غياب المتعهد
وأضاف المحروس: اما في ما يخص البسطيات فكان يمكن لأمانة بغداد ان تنظـِّم تلك الأماكن وتصمم مظلات تضفي جمالية على المكان مقابل مبلغ بسيط من أصحابها. منوِّهاً: بدلاً من ترك الامور سائبة بهذه الطريقة الفوضوية !
لكن أبا حمزة طاهر محمد حسين صاحب بسطية يقول: انا في هذا المكان منذ عشرين عاماً وكنا قبل 2003 ندفع اجوراُ للمتعهد الذي ترسي عليه المناقصة، متابعا: غير اننا لم نعد ندفع اي مبلغ الآن لعدم وجود متعهد ولا جهة تستوفي الأجور. لافتاً: بصراحة لسنا مستعدون لدفع أي شيء الآن فقد صار المكان حقاً مكتسباً!

اعتداء على موظفي البلدية
في أكثر من مرة حاولت أمانة بغداد رفع التجاوزات عن الشوارع والأماكن العامة لكنها جُوبهت باعتداءات على موظفيها وقد طالب المكتب الإعلامي اكثر من مرة حماية منتسبيه من الاعتداءات ومنها ما تعرَّض له مدير عام بلدية الصدر الثانية حيث تم مهاجمة داره واستشهدت ابنته بسبب إصراره على رفع التجاوزات على أراضٍ مملوكةٍ للدولة. وفي البياع تعرَّض منتسبو بلدية الرشيد لأكثر من اعتداء لمحاولتهم إزالة التجاوزات على الأرصفة والشوارع العامة والشيء نفسه يتكرر في مناطق أخرى .. الأمر الذي اضطر الأمانة إلى مطالبة المرجعية الدينية ورجال الدين والمؤسسات والفعاليات الشعبية بممارسة دورها والتنبيه الى ان هذه التجاوزات حرام وومنافية لقيم الأديان السماوية والقانون والأخلاق.. كما دعت المديريات العامة للتربية الى تبني حملة للتثقيف بالوعي البلدي وعدم التجاوز او رمي النفايات بغير أماكنها والاهتمام بالنظافة .

الأمانة تتحمّل جزءاً
في سوق باب المعظم والصدرية صور اخرى تشير الى مدى الضرر الذي يلحق بوجه العاصمة بغداد حيث اكداس من الخضراوات التالفة وتجمّع المياه الآسنة إذ يعترف المواطن السيد عدنان العاني بأن بعض التشويه سببه اصحاب المحال ولكن الامانة تتحمّل جزءاً منها خاصة ما يتعلق بالمياه القذرة وكأنها نهر صغير! مسترسلا: يمكن ان تتوجه الى الوثبة والى ساحة حافظ القاضي لترى مستوى التشويه لوجه بغداد الجميل، متابعا: اشعر بالألم وانا أُشاهد كل هذه الفوضى التي تتناقض مع ما ندعيه من وطنية حيث ان تجسيد حب الوطن يبدأ من الاهتمام بنظافة العاصمة او المنطقة التي نسكنها .

مشاريع شارع الرشيد
ويتساءل معاون المهندس سرمد عبد الهادي عن مشاريع تطوير شارع الرشيد وأين وصل به المطاف؟ مبينا: ان لهذا الشارع موقعاً خاصاً ليس في نفوس البغداديين فحسب، بل جميع العراقيين فالغالبية منهم لهم ذكرى فيه. عبد الهادي وهو  يُشير بيده للشارع المتجه الى البنك المركزي وجامع مرجان موضحاً: ان اصحاب المحال التجارية والبسطيات يتحملون وزر أكداس النفايات لأنهم لا يكلفون أنفسهم حتى بالمحافظة على نظافة واجهات محالهم التي هي مصدر رزقهم، مردفاً: إذ يمكن لهم ان يضعوها على الاقل في صناديق او حاويات لحين مجيء سيارات الامانة لرفعها ..كما لم يغفل معاون المهندس ما تسببه الصبّات الكونكريتية من تشويه.

حملات رفع التجاوزات
تقوم البلديات التابعة للامانة بحملات لإزالة التجاوزات في جانبي الكرخ والرصافة، فقد نفذت بلديات الشعب والرصافة والكرخ المركز برفع بعض التجاوزات المتمثلة بانشاء اكشاك غير نظامية ومواقع لغسل السبارات وساحات لوقوف السيارات غير مرخصة ومسقفات لأصحاب المطاعم والمحال التجارية بحسب ما افادت منشورات المكتب الإعلامي .. غير ان هذه التجاوزات سرعان ما تعود ربما بشكل اكثر سوءاً حيث ليس هنالك من احترام للقانون كما يقول المواطن مالك عبدالله الذي اوضح ان هذا لا يعني ان بعض ضعاف النفوس من منتسبي البلدية يتحملون مسؤولية ذلك فهم أحـد أسباب التمادي في التجاوزات .

مشاكل الأحياء السكنية
لن نتحدث هنا عن الأحياء الشعبية في مدينة الصدر او الشعلة او الجعيفر أو الرحمانية او الصليخ، لكن جولتنا في مناطق حي الجامعة واليرموك والقادسية تقول ان بعض الشوارع الفرعية ليست بأفضل حالاً من غيرها وهو ما يحمّل ربة العائلة بالدرجة الأساس مسؤولية  ذلك حيث تكدس النفايات في الساحات الفارغة  التي يمكن ان توضع على الأرصفة وعن هذا يقول محمد ابراهيم المشهداني: منذ اشهر وأمام أحد الجوامع يرجو سكان المنطقة المجاورة لمخازن الأدوية عدم رمي الفضلات في الساحة لانها تسبب الامراض وتشوِّه المنطقة كما انها الساحة الوحيدة لشباب المنطقة لممارسة هوايتهم في لعبة كرة القدم ولكن من دون فائدة، اضافة الى دعواتهم المتكررة بعدم تجاوز اصحاب الدور على الارصفة وضمها الى دورهم وهو ما يمكن ان نلحظه هنا في حي الجامعة وكل مناطق بغداد من دون خوف أو وازع من ضمير!

تنظيف رصيف الجيران
لكن الذي يبدو والحديث ما زال للمشهداني اننا ومع الأسف اعتدنا ان نحمّل الأجهزة الحكومية مسؤولية تقصيرنا في حين انها مسؤولية مشتركة، مبينا: هنالك مواطن اعتاد ان ينظف يومياً الرصيف المجاور لداره لإزالة فضلات جيرانه لكنهم لم يتوقفوا وعندما يعاتبهم يُجيبونه بأن البلدية نفسها كانت قد وضعت حاوية نفايات كبيرة منذ سنوات وعندما تُلِفت لم تستبدلها.
لكن الحاجة أم علي تقول: انها مسألة ضمير ووعي ومخافة الله واحترام الجار وعدم إيذائه.. وهو ما صرنا نفتقده. واشارت الى جدار دارها وقد خُطـَّت عليه بشكل واضح (اتقوا الله في جاركم وتذكروا وصايا رسول الله محمد(ص) بالجار ولا تؤذوننا برمي الزبالة) .

ساحات وحدائق عامة مهملة!
برغم أن أمانة بغداد قد نفت في بيان لها مسؤوليتها عن تأهيل وصيانة النُصب والتماثيل غير ان هذا لا يبرر الاهمال الذي تعاني منه  حدائق ساحة الفردوس وأرصفتها الخربة وعدم إدامة الاهتمام بها!
ويقول الإعلامي كريم الكناني: من لا يتذكر جمالية وروعة حدائق هذه الساحة المهمة حيث تقابل فندقي الشيراتون والميرديان. مضيفا: كان يمكن للامانة ان تستثمر حملة التشجير التي قامت بها بمناسبة اعياد نوروز والشجرة لإنقاذ هذه الحديقة من الاهمال الذي هي عليه منذ ما بعد 2003.
وكانت امانة بغداد قد اعلنت عن زراعة ما بين ( 10 ) الى ( 25) الف شجرة وشجيرة ونبتة وزهرة مختلفة الانواع بالمناسبة لزيادة جمالية العاصمة، ولا ندري أين تلك الجمالية ؟!

سمك الجري يُشوِّه المدينة
والشيء ذاته ينطبق على (النافورة) التي نفذتها امانة بغداد قبل اكثر من سنة وسط الشارع الممتد بين ساحة الاردن ونفق الشرطة وبالتحديد مقابل محطة وقود اليرموك حيث الروائح الكريهة تزكم الأنوف من مياهها الآسنة وزاد الطين بلة كما يقول المواطن جمال شاكر رمي أصحاب سيارات بيع السمك الجري المتجمعين امام هذه لنافورة رؤوس السمك والفضلات في الشارع ناهيك عن اصحاب بيع الخضراوات الممتدة على طول الشارع وهم يرمون الفضلات على الرصيف دون محاسبة من أحد !

النصيحة والنقــد
وفيما يسمى علوة بيع خضراوات وفواكه الداوودي مجاور الجمعية لا يمكن إلا ان تشعر بالأسى وانت ترى اكداس الفضلات والأكياس الكارتونية والبلاستيكيه المرمية بجانب المحل وعند السؤال عن عدم تجميعها قال احد العاملين فيها ما نفع تجميعها واصحاب بيع الأغنام يأتون ليلاً لبعثرتها وهو عذر غير مقنع .. هذا ما دعى المهندس ناصر عبد الحسين الى لومه على رمي الفضلات بهذه الطريقة .. البائع تقبّل النقد ووعد بعدم تكرار ذلك لكنه لم يفِ بوعده.

أخيراً ...
نؤمن بأن لكل منا دوراً في الحفاظ على ما بقي من جمالية بغداد والإسهام بالممكن من خلال النقد والنصيحة كما فعل المواطن ناصر ومن خلال الاهتمام الأكثر بنظافة واجهات دورنا واحياءنا .. وهنالك تجاوزات اخرى منها التقسيم العشوائي للمساكن ذات المساحات الكبيرة الى قطع سكنية لا تتجاوز مساحة بعضها الخمسين متراً ما انعكس على المساحات الخضراء للعاصمة .. ولكن ماذا يفعل المواطن والحكومة عجزت الى الان عن وضع معالجات لمشكلة السكن المتفاقمة ومنها تشجيع الاستثمار لبناء عمارات سكنية تباع للمواطنين بالتقسيط المريح . وفي كل الاحوال فان الموضوع واسع غير اننا حسبنا ان سلـَّطنا عليه الضوء وفاءً لبغدادنا التي نعشقها . مسؤوليتنا تجاه مدننا كبيرة من دون ان يعني ذلك تبرئة الجهات المعنية او مجالس المحافظات .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟
تحقيقات

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟

 المدى/تبارك المجيد كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً، والظلام قد بدأ يغطي المكان، تجمعنا نحن المتظاهرين عند الجامع المقابل لمدينة الجملة العصبية، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر، فجأة، بدأت أصوات الرصاص تعلو في الأفق،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram