TOP

جريدة المدى > عام > ضمن فعاليات معرض أربيل للكتاب..العلاقة الإشكالية بين السلطة والمثقف .. تحليل ونتائج

ضمن فعاليات معرض أربيل للكتاب..العلاقة الإشكالية بين السلطة والمثقف .. تحليل ونتائج

نشر في: 7 إبريل, 2016: 12:01 ص

استمرت فعاليات اليوم الاول الذي اختتم بجلسة حول إشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة.. تحـليـل سيكـوبـولـتك قدمها أ.د. قاسم حسين صالح مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية. أدارها الأستاذ محمد طه الذي رحب بالحضور وأشار الى أهمية المحاضرة خاصة انها تأتي م

استمرت فعاليات اليوم الاول الذي اختتم بجلسة حول إشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة.. تحـليـل سيكـوبـولـتك قدمها أ.د. قاسم حسين صالح مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية. أدارها الأستاذ محمد طه الذي رحب بالحضور وأشار الى أهمية المحاضرة خاصة انها تأتي من استاذ متمرس في هذا الشأن . بعدها دخل صالح مباشرة الى أجواء المحاضرة. حيث حدد المحاضر مفهوم المثقف بالمفكر والأكاديمي والإعلامي الملتزم بالحقيقة وغير المنتمي للسلطة. متسائلا حسب فرضيات: لماذا كل هذا العدد من كتّاب وفناني القرن العشرين، ينتمون او يتعاطفون مع الحركة الشيوعية.. من بيكاسو الى بابلو نيرودا ومن بريشت الى همنغواي؟. تساؤل مجلة (لايف) الأمريكية.. ولماذا كل هذا العدد من مثقفي القرن الحادي والعشرين في العراق ينتمون او يتعاطفون مع أحزاب الإسلام السياسي؟.

تعريفات ثقافية
أشار صالح الى ان المشكلة السياسية في العراق ناجمة عن إشكالية ثقافية كانت خفيّة وظهرت بعد التغيير، مع غياب مشروع الثقافة الوطنية في العراق ما يؤدي الى الانهيار، بسبب العنف الثقافي، سالت في العراق أنهار من الدم.  متطرقاً الى تعريفاته للثقافة والمثقف، موضحاَ: ان الثقافة وفق الماركسية تعني بنية فوقيّة من أفكار ومعتقدات وقوانين ونظريات وأعمال فنية، تعكس البنية الاقتصادية التحتية. وفق الرأسمالية تتحدد بفكرة الاختصاص الدقيق، ما يعني انه ليس من حقك إبداء رأيك في القضايا الكبرى والصغرى ما لم تنل شهادة جامعية عليا. اما وفق تعريف اليونسكو: تكوين معقد يحتوي المعرفة والمعتقدات والفنون واللغة والاخلاق والقانون والعادات والطقوس التي يكتسبها الفرد بوصفه عضوا في مجتمع. وفي الثقافة بالأنثربولوجيا الأمريكية تعني نبوغ القدرة الانسانية للتصرف بطريقة ابداعية. مشيرا الى مواصفات المثقف: ان يلعب دور الوسيط في المجال السياسي/ يقيم روابط بين الثقافات والبشر/ يعزز نزعة إنسانية عقلانية/ يرفض الاستسلام لاختزال حقل معرفي واحد/ يتمتع بضمير ثقافي واخلاقي مؤثر، ومعارض موضوعي لما يراه حقاً وعدلاً.

السلطات والمثقف
وبيّن المحاضر الفرق بين السلطة والتسلّط قائلا: مفهوم السلطة باللغة العربية مشحون بالعنف والخضوع والامتثال لقوة قادرة قاهرة. والمفهوم الحديث يفرّق بين السلطة والقوة. مشدداً: القوة تعني إجبار الآخرين على طاعتك، فيما تعني السلطة الحق في ان توجه الآخرين(سلطة مدير المدرسة مثلا). مردفاً: ان السلطة بالمفهومين الفلسفي والأخلاقي، ضرورة اجتماعية (لتنظيم أمور المجتمع)، وضرورة نفسية (لتحقيق الشعور بالأمن)،وضرورة أخلاقية (لتحقيق العدالة الاجتماعية). فيما يتضمن مفهوم التسلط معاني: الظلم ، القهر، الإرهاب، الإكراه، التشدد، العنف.
وتطرق ايضا الى ثلاث سلطات ضد المثقف ، الأولى : السلطة الرسمية (الحكومة) التي حاربت المثقف الذي يختلف معها في الفكر، بلقمة الخبز او بالسجن او بكاتم الصوت.. الثانية : الثيوقراطية الدينية التي حاربت الفنانين بتحريم الموسيقى والمسرح والسينما وإباحة دم المثقف..مع ان الإسلام ليس ضد الجمال(ان الله جميل يحب الجمال). والثالثة : السلطة الاجتماعية التي حاربت المثقف بقوة العادات والتقاليد المضادة للتطور، والخوف من مهاجمته لتقاليد ( مثل جرائم الشرف) او نقده لظواهر سلبية، مثل الزواج داخل العشيرة الواحدة.

خصومات سيكولوجية
وبيّن المحاضر ان السلطة تميل الى التعميم وتعمل على ان تشيع ثقافة تنتج افرادا بالمواصفات التي تريدها هي، فيما المثقف يميل الى التفريد ، ولا يضع للثقافة مواصفات او حدودا. موضحاً: ان المثقف ناقد بطبيعته للجوانب السلبية، فيما السلطة بطبيعتها لا تحب من ينقدها. (الحاكم العراقي يحيط نفسه بمستشارين يقولون له ما يحب ان يسمعه). متابعاً: السلطة تشعر بالنقص الثقافي أمام المثقف، فتتولد لدى كليهما عقدتان سيكولوجيتان متناقضتان: شعور السياسي بالنقص وشعور المثقف بالاستعلاء.
كما لم يغفل المحاضر ثقافات ما بعد التغيير وانهيار الدولة وتعطّل القانون وصارت الحياة فوضى. شاع الخوف بين الناس وتفرقوا الى مجاميع أو أفراد تتحكم في سلوكهم الحاجة الى البقاء، فيلجأون الى مصدر قوة أو جماعة تحميهم، ويحصل بينهما ما يشبه العقد ، يقوم على مبدأ الحماية المتبادلة.  لتبرز ثقافة الاحتماء بالعشيرة والمذهب نتيجة تهميش الولاء للعراق، وتكريس الولاءات الكبرى:الطائفية والإثنية والدينية، حيث توزع العراقيون بعد التغيير الى جماعات.. تفرقها ثقافة التعصب وتجمعها ثقافة الكراهية.
وعرّج ايضا الى ثقافة الاحتجاج والتظاهر الناجم عن مظالم اجتماعية وعدم عدالة اقتصادية تؤدي الى قهر وضغوط نفسية تتجاوز حدود القدرة على تحمّلها. ذاكراً تظاهرات شباط  2011 في ساحة التحرير التي عدّت اول تظاهرة ضد الفساد، وكيف ارسلت السلطة احد (مناضليها) ليصدر الأوامر من على سطح العمارة بقمعها. مشيراً الى تظاهرات الجمعة 7 آب 2015 حين عادت ثقافة الاحتجاج بزخم اقوى.. تسللت لها تدريجيا ثقافة الإحباط.. وانتعشت في 2016. مشدداً: ان السلطة لم تفهم بعد ان الاحتجاج السياسي ثقافة جديدة واستجابة لمطالب مشروعة.

تراجع ثقافات
واشار المحاضر الى تراجع ثقافة المواطنة وثقافة التسامح التي باتت معروفة بالضعف، فيما جوهرها فضيلة، عرّفها معهد جنيف لحقوق الانسان بأنها قيمة ما خلا منها مذهب او دين، وانها ليست مانعة للعنف فقط، بل وحافز للابداع والازدهار. كذلك ثقافة الحوار: العقل السياسي العراقي الحاكم تبرمج على (البرانويا)..الحوار فيه .. الشك بالآخر.
يتحدث صالح ايضا عن معاناة المثقف العراقي بعد التغيير مشيراً الى الاغتراب السياسي والشعور بتوالي الخيبات واكتشافه ان ما حلم به كان وهماً. ليبقى يعيش حالة صراع سيكولوجي بين ان يكون طارداً للوطن او مطروداً منه. مؤكداً ادراكه ان العملية السياسية في العراق معقدة وخيوط لعبتها متشابكة، وجمهورها البنفسجي مغيب وعيه. وشعوره باللاجدوى من استعادة ثقافة الجمال.

انتحار الأدباء..
 واشار د. قاسم حسين صالح الى ظاهرة انتحار الأدباء ذاكرا فرجينيا وولف التي انتحرت خوفا من الجنون. مارتا لنيش ،كاتبة ارجنتينية، انتحرت لأنها لم تطق رؤية التجاعيد على وجهها حين بلغت الستين. والروائي الايطالي سيزار بافيز الذي وصف انتحاره بأنه أهم عمل في حياته..ونفذه باحتفالية!. وجين آمري، الذي انتحر يوم افتتاح معرض الكتاب في المانيا ليذيع نبأ رحيله على زوار المعرض ، والحائزان على جائزة نوبل همنغواي والياباني كاوياتا، انتحرا وكأنهما لم يحتملا الشهرة، او لاعتقادهما بأنهما لن يكونا بمستواهما بعد الآن.
مبينا: حين يصل المثقف حد الشعور بأن ذاته اصبحت غريبة عليه، فإنه يحقد عليها..فينهيها بانتحار بطيء بالإدمان على الكحول، او بانتحار سريع بطلقة. مثل عبد الأمير الحصيري (ادمان كحول). خليل حاوي (بدعوى احتجاج ضد الوحشية الاسرائيلية). مهدي علي الراضي (انتحر بعد ان وجد نفسه مهمّشاً وخائباً ومنسياً).الأديب والإذاعي الأردني الشاب تيسير السبول: (انا ياصديقي أسير مع الوهم سأسقط الى الأبد نبياً قتيلاً وما فاه بعد بآية)!

استنتاجات ختامية
وختم المحاضر رئيس ومؤسس الجمعية النفسية العراقية : ان الثقافة العراقية منتجة لطغاة ترفعهم الى السماء حين هم في السلطة وتمسح بهم الأرض حين يسقطون، ومنتجة لمبدئيين (دينيين وعلمانيين) لا يتنازلون، ومفكرين ومبدعين من طراز رفيع. مبينا: ان الثقافة التنويرية في العراق بدأت تتعافى وتقوى ضد ثقافة الطائفية والمحاصصة، ولكن على مستوى النخب لا الجماهير. واضاف: المثقف يمكن ان يبني الانسان، ولكن يمكن ان يكون مصدر تعاسة وإنهاء حياة لآخرين. لحقيقتين سيكولوجيتين: ان المثقف (الشاعر بخاصة) اكثر الناس حاجة للحرية، ولأن رهافة حسه لا تطيق ما يفجعها. موضحا: قساوة أحداث كارثية متلاحقه وتوالي خيبات.. انتجت أدباً وشعراً عراقياً غلبت فيه مراثي، وجع، فجع، جلد ذات، عزاء للنفس والناس والوطن، وتراجعت فيه قيم الحب والحكمة والتعلق بالحياة، وتلك هي مهمة المثقفين الحقيقيين، ان يستعيدوا الوظيفة الاساسية للمثقف بوصفه نبياً مبشّراً وعاشقاً محبّاً للجمال.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا
عام

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

ديفيد سبيغنهولتر*ترجمة: لطفية الدليميقريباً من منتصف نهار التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 1949، وفي محيط من الضباب الكثيف، عندما كانت طائرة من طراز DC-3 العائدة لشركة الخطوط الجوية البريطانية في طريقها من بلفاست...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram