ءآيسلاند بلدة شبه منسية. اسمها لا يرد في الأخبار على مدى أسابيع وأشهر أحياناً، لكنها الأسبوع المنصرم قفزت إلى صدارة الأخبار المهمة. كان اسمها في قلب قضية "وثائق بنما" التي تتواصل الآن تفاعلاتها عبر العالم، مع أن الصلة الآيسلاندية بهذه القضية هي الأصغر والأدنى أهمية.
ديفيد سيغموندور غونلوغسون، رئيس الوزراء في هذا البلد الصغير الواقع عند تخوم الدائرة القطبية الشمالية استقال من منصبه الثلاثاء الماضي. حدث ذلك إثر احتجاجات شعبية على خلفية "وثائق بنما". غونلوغسون لم يسرق من المال العام ولم يستخدم نفوذه ومنصبه لعقد صفقة تجارية أو تسهيل عقد مثل هذه الصفقة. أفراد عائلة غونلوغسون، وبينهم زوجته التي ورد اسمها في "وثائق بنما"، لم يسرقوا هم أيضاً من المال العام ولا استغلوا نفوذ رئيس الحكومة ومنصبه لعقد صفقات تجارية أو تسهيل عقدها.
القضية وما فيها أن رئيس الوزراء الآيسلاندي اشترى وزوجته، آنا سيغورلوغ بالسدوتير، في العام 2007 شركة مسجلة في جزر “فيرجن” البريطانية، تسمى "وينتريز"، لكنه عندما فاز في الانتخابات العامة ودخل إلى برلمان بلاده في العام 2009 لم يكشف عن ملكيته وزوجته لهذه الشركة، ثم باع حصته في الشركة البالغة 50 في المئة إلى زوجته بدولار واحد بعد ثمانية أشهر من ذلك.
آيسلاند، وهي دولة تتبع اقتصاد السوق الحر، لا تمنع قوانينها المواطن الآيسلاندي من امتلاك الشركات، لكن الأخلاقيات تقتضي أن يكشف عضو البرلمان وسائر المتولين وظائف عليا في الدولة عن ذممهم المالية. إخفاء غونلوغسون المعلومات المتعلقة بملكيته وزوجته تلك الشركة أضعفت ثقة الناس الذين انتخبوه. لم يعودوا مطمئنين إلى أنه يمكن أن يؤدي مسؤولياته العامة بأمانة وشفافية، فتظاهروا مطالبين باستقالته، وهو ما أقدم عليه بالفعل، برغم تأكيده أنه لم ينتهك أي قانون، وأن زوجته لم تنتفع مالياً من وجوده في السلطة، فيما أكد متحدث باسمه أن الزوجة بالسدوتير دأبت على إعلان قيمة أصول ممتلكاتها إلى السلطات الضريبية، وأنه بموجب اللوائح البرلمانية لا يتوجب على غونلوغسون إعلان مصلحته في شركة وينتريز.
لماذا إذاً غضب الآيسلانديون على رئيس حكومتهم؟ ولماذا سارع هو إلى الاستقالة؟
الآيسلانديون تظاهروا لأنهم يفكّرون بأن المسؤول الذي يخفي أمراً صغيراً يمكن أن يتكتم على أمور كبيرة وخطيرة. أما غونلوغسون فقد استقال لأنه وطني وعلى خلق.
هذا ما ينقصنا هنا في العراق. لدينا في كل يوم قضية كبيرة وخطيرة تتعلق باستيلاء مسؤولين كبار في الدولة على المال العام والخاص من دون وجه حق وخرقاً للدستور والقوانين، وباستغلال نفوذهم ومناصبهم لتحقيق منافع لهم ولأحزابهم وأفراد عائلاتهم، ومع هذا فان الذين يتظاهرون قليلون جداً، لضعف حساسيتنا حيال انتهاكات المسؤولين وتجاوزاتهم وما يرتكبونه، ويكررون ارتكابه، من أخطاء وخطايا وتجاوزات. واذا تظاهرنا فان المسؤولين لا يستقيلون، حتى لو نهبوا عشرات مليارات الدولارات من المال العام، وحتى لو كانوا السبب في احتلال الإرهابيين ثلث البلاد وفي موت وسبي واغتصاب ونزوح ملايين الناس، والسبب؟ إنهم، ولابدّ، تعوزهم الوطنية وتنقصهم الأخلاق التي دفعت رئيس الحكومة الآيسلاندي للاستقالة، مع أنه لم يرتكب سوى مخالفة ضئيلة القيمة مادياً ولم يتأذَّ منها أحد!
هناك في آيسلاند.. وهنا في العراق!
[post-views]
نشر في: 8 إبريل, 2016: 05:22 م
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
ياسيدي قد شخصت بان هؤلاء تعوزهم الوطنية وتنقصهم الاخلاق لابل حتى الشرف الناموسي ومن خلال هذا التشخيص ان هؤلاء لاينفع تركهم الى ضمائرهم لانهم بالاساس منزوعي الضمائر والشرف وما الحل برايك ياسيدي هل نبقي ان نشخص الخلل دون ان تتم معالجته بالتاكيد لابد من المع