كنتُ أُريد أن ينجح الدكتور حيدر العبادي في مهمته الصعبة والمعقدة، وما زلتُ أُريد ذلك. وقد أستَفِزّ جمهرة من الأصدقاء والقرّاء إذ أقول إنّ أولويتي في هذه المرحلة، حيث يتعذر طلب الأمنيات والتطلعات الكبيرة، يتمثل ببساطة بالتطلُّع "لأدنى طماحٍ" كما أنشد
كنتُ أُريد أن ينجح الدكتور حيدر العبادي في مهمته الصعبة والمعقدة، وما زلتُ أُريد ذلك. وقد أستَفِزّ جمهرة من الأصدقاء والقرّاء إذ أقول إنّ أولويتي في هذه المرحلة، حيث يتعذر طلب الأمنيات والتطلعات الكبيرة، يتمثل ببساطة بالتطلُّع "لأدنى طماحٍ" كما أنشد الجواهري الكبير في " يا دجلة الخير". وأدنى طماحٍ في ظل هذا الانفلات الأمني وغياب الاستقرار والتصدعات السياسية والعسكرية والاقتصادية، هو في حدوده الدنيا وقف التدهور والاستقرار الأمني ومستوى الكفاف من الكرامة ولقمة العيش، وباب واسع للأمل والرجاء!
ولستُ مدّعياً لأقول بأكثر من ذلك. ولا يعني ذلك أنّ ما جرى من احتشادٍ واحتجاجٍ وتحدٍّ ليس نذيراً ولا مبشراً وبوادر على نهوضٍ آتٍ ، وعلامة على عودة الوعي المغيّب تحت ردح أنغام التطرّف والطائفية والعمى السياسي والفكري. فليس راجحاً لأكثر من ذلك، في متناول اليد، متيسّرٌ لحمل آمالنا، مع ما نحن فيه من ظرفٍ موضوعي واختلالٍ في موازين القوى وقدرٍ من ضعف الحيلة في التمكين وصياغة المواقف والشعارات والأهداف على قاعدة اصطفاف قوىً وقدراتٍ على التعبئة، مترافق مع هذا الميل نحو المبالغة في تقييم الحال، كما لو أن التحوّل والتغيير قاب قوسين أو أدنى من هدف عبور النظام المتأسس على الطائفية وكل ما تفرزه من مظاهر الفساد والتردي والتفكك الاجتماعي والسياسي وانهيار القيم النبيلة.
وقد يبدو ما يحصل أميل الى محاولات إعادة " تأهيل" المنظومة القائمة وترتيبها و"تحصينها" من حيث الشكل والمظاهر والأدوات.
وكلّ يوم يمضي تختلط في ما تجري فيه من تجاذبات وصِدام رؤىً حول المُراد من الإصلاح وأدواته ومفاهيمه، تزيد من التشوّش لكنّها تفعل في بعض جوانبها ما هو أكثر من ذلك على عملية الإصلاح وجدّيتها وإمكانية تفعيلها إيجابياً.
وأبرز مظاهر هذا التشوّش والتشويش يجد تعبيره في التناقضات التي تنطوي عليها مواقف وتطمينات وتفسيرات القيادات النافذة في السلطة، ولا يخلو منها خطاب للدكتور حيدر العبادي وبيانات تصدر عن مكتبه.
وبدت في غاية الوضوح هذه التناقضات أول من أمس ، لمن تابع خطابات الرئاسات الثلاث ومن كان له حضور على منصة الخطابة من الزعماء السياسيين في استرجاعية السيد عمار الحكيم لذكرى شهيد المحراب، وكأنّ الخطابات لم تكن سوى"باصات" يحاول كلّ واحدٍ تسجيلها على من سبقه، أو قيلت في مناسبة قريبة لمن لم يكن له حضورٌ في الاحتفال!
وما كان لافتاً استغراب السيد العبادي من تعرّض مظروفه المغلق الى هجمة تسقيطية للمرشحين فيها، مع " أنّ التعديل الوزاري يُعدّ جزءاً صغيراً من الإصلاح، إذ تساءل: لماذا تحوّل التعديل الوزاري الى أزمة؟ مضيفاً " إنّ ما قدمته هو تعديلٌ وزاري وليس تغييراً "..!
إنّ استلالي لهذا المقطع من كل ما جاء في خطاب السيد العبادي يكفي لخدمة ما أُريد التدليل عليه في ما يجري من تجاذب بين العبادي وقادة الكتل البرلمانية، فهو تأكيدٌ بليغ على الخلط والتشوش، ليس هذا فحسب بل ولتغييب المواطن من حقيقة ما يجري وما يراد له أن يجري من تمييعٍ وتحريفٍ وكذلك تجاوز على الدستور والقانون.
كلّ ما قيل عن "حكومة تكنوقراط" مستقلة تارة ومكوناتية تارة أخرى، ثم عودة الى الكتل، وكذلك ما قيل عن مرشحين وخلافه، لم يستقر على حالٍ حتى الآن. لكن استغراب الصديق الدكتور العبادي يُثير هو الآخر الاستغراب المشدد، فما قدمه من مظروفٍ مغلق الى البرلمان تحت عنوان "كابينة وزارية تكنوقراط" ليس تعديلاً، حتى إذا أفتت المحكمة الاتحادية بكل أعضائها (!) بأنه تغيير وزاري. وإذا تجاوزنا المحظورات بالضرورات، يمكن قول ما نشاء من "مخرجات" حسب مصطلح إسلاميينا السياسيبن، وتجاوز الدستور على علّاته. أما إذا أردنا الأخذ بالسياقات الدستورية في النظام البرلماني فهو يحتاج الى طلبٍ مقدمٍ الى البرلمان باستقالة الحكومة وتكليفٍ من رئيس الجمهورية، ولا يشترط أن يكون المكلّف "أصلاً" من الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً، وليس شرطاً أيضاً أن يكون المكلف عضواً في البرلمان. وقد تجوز إعادة تكليفه "مسبباً بالكفاءة والمقبولية والضرورة السياسية"، وهذه كلها خاضعة للتقييم وتقليبها وجهاً على وجه.
وبانتظار الدخان الأبيض، ليسوّدَ الله وجهَ مَن وضع الجميع في هذه الورطة، وفتح علينا أبواب أزماتٍ حُبلى بأزمات.
جميع التعليقات 2
محمد سعيد
الاصلاح والتغيير مفردات تحولت الي لعبه سياسيه لا اصول اوعراف دستوريه سابقه او لاحقه لها , خصوصا حينما تجرء رئيس الحكومه في رمي الغلاف المغلق في احضان السلطه التي يجب ان تكون اعلي وارقي من مقاقه , وهي مجلس النواب الذي يفترض ممثل الشعب والمن
بغداد
استاذ فخري كريم عندما اقرأ لكم ولبقية كتاب جريدتكم الأفاضل اجر حسرة ونفس طويل وأقول والله حرامات على هكذا مستويات تمتلك هذه الكفائات من البلاغة اللغوية وفصاحة اللسان وتمتلك علم التاريخ السياسي العالمي وتاريخ الشعوب من فن وعلوم ومعارف وتمتلكون جمال الوعي ا