TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بهجة النثر

بهجة النثر

نشر في: 11 إبريل, 2016: 09:01 م

لنتخيل فنون العالم بلا نثر!
فما الذي سيتبقى منها؟
النثر، هنا تحديداً، هو ما يدخل في أغلب الفنون: المسرح والسينما والرواية والقصة القصيرة والقصيدة وأنواع السرد والمذكرات والنصوص المبتكرة خارج هذا كله، وإذا كان المسرح أبا الفنون، فيمكن أن نعد الفلسفة أم الفنون، وثمة "نثر" في الفن التشكيلي: فاسيلي كاندينسكي والروسي الفرنسي مارك شاغال (يا للمصادفة، الاثنان روسيان). إن هي أنواع فكرية أو جمالية، تكافح بشدة، وستبقى، نثر الميديا والسياسة والمال والأعمال، وهذا خارج الصدد.
هل يجوز، إذن، اختزال النثر في قصيدة لا تتعدى بضعة سطور؟
منذ مدّة وأنا أجرّب معالجة شعرية، أزعم أنها جديدة في مساري الشعري الذي بدأ واستمر تفعيلياً، عدا بعض الاستثناءات، لأكتشف "بهجة النثر"، تحديداً في قصيدة النثر. هل تأخرت كثيراً؟ أجيب بنعم بلا تردد.
كتبت عدداً من القصائد النثرية (مع تحفظ على هذا المصطلح) بعد احتراس صارم، لأكثر من سبب منها أن قصيدة النثر العربية اقتحمت تقاليدنا الراسخة في وقت متأخر، مثل بقية منتوجات الحداثة العالمية، وما أكبر ثوراتنا الشعرية إلا تلك التي اجترحها كبراؤنا منتصف أربعينيات القرن الماضي، أعني ثورة ما يسمى ب (الشعر الحر) وبقيت الأجيال التالية للرواد تنسج على منوالهم في "تنويع" مكشوف على قصائدهم، حتى فترة الستينيات التي ستشهد بعض الاختراقات الفنية في قصائد نثر عربية ظهرت وسط سوء فهم ماثل حتى اليوم، يمكن تلخيصه بالتباس تلقينا للقصيدة الغربية، حيث تلقاها أكثرنا مترجمة، من الغربيين، والمترجمين العرب، الرواد في هذا الشأن، أسهموا، بوعي أو من دونه، في ذلك الالتباس عندما ترجموا الشعر الغربي، الموزون والمقفى، إلى قصيدة نثر، على أن من ترجموا النثر موزوناً ومقفى هم أسوأ المترجمين!  
بيان سوزان برنارد الرائد صار كلاسيكياً، منذ عقود، وما زال إنجيل الكثير من شعراء قصيدة النثر، وهو إذ يذكر اليوم لا يذكر إلا حلقة، بعد سلسلة طويلة من المحاورات بدأت منذ منتصف القرن الثامن عشر تقريباً، لتتجلى بوضوح على يد شارل بودلير، وما جرى بعده.
أرثر رامبو في قلب التجربة. قلت: حاولتها باحتراس صارم لأن قصيدة النثر العربية موضع شك كبير، خصوصاً تلك التي اعتقد شاعرها بأنها قصيدة بلا وزن وقافية، فقط لا غير! قصيدة النثر موقف فكري وجمالي من الشعر الذي سبقها، بما تمثل من ديالكتيك النقض والتفاهم، معاً، لتنبثق تلك البؤرة اللامرئية في قوام القصيدة، لكنها تضيء على الورقة ليعم النور أرجاء بعيدة من الأرض. من منّا لم "يطرب" لقصيدة من ما يسمى "الشعر الجاهلي" أو الأموي أو العباسي، أو لا "يطرب" لقصيدة الجواهري؟نعم، ثانية، كلنا نطرب لتلك القصائد، وما هي إلا "تربية" سماعية ثم ذوقية، عمرها أكثر من ألف وأربعمئة عام، ليس من السهل تجاوزها، غير أن قصيدة النثر ليست هي القصيدة التي بلا وزن ولا قافية. شخصياً: أتمتع، منذ فترة، ببهجة من نوع خاص، وأنا أختبر أفكاري شعرياً. حيث، ضمناً، أن ثمة شعراً في القصيدة الكلاسيكية وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، وثمة لا شعر فيها مجتمعة. في قصيدة النثر حسن تخلص شاق من الزخرفة البلاغية والحيل اللفظية والتهويمات/التهويلات اللغوية الفارغة، على أن قصائد نثر كثيرة فيها ما لا يمكن تحمله من كل ذاك، أيضاً!.قصيدة النثر هي امتحان الفكرة للغة.
يطربني سعيد عقل لكن أنسي الحاج يحرضني على التساؤل. مثالين لا حصراً. سركون بولص كتب قصائد تفعيلة وقصائد نثر.. لم يخرج عن سياقه الشعري في كليهما. قصيدة النثر فكرة ثورية وكل فكرة ثورية ينضوي تحت لوائها الكثير من الرعاع.
*****
أجمل النساء امرأة تستدير نحوها الأعناق وإن كانت بلا ماكياج.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram