(أجلبوا معكم كراسي أضافية للجلوس، فربما كراسي الحديقة لا تكفي لنا جميعاً) هكذا وصلنا صوت الصديق (برت) بعد أن إتفقنا على أن نلتقي ظهيرة يوم السبت في مرسم وحديقة الصديق الفنان (رولف)، حملنا أضافة الى الطعام والشراب مجموعة من الكراسي الخفيفة التي يسهل حملها وألتقينا هناك، في ذلك المكان الجميل الذي لا يبعد عن مرسمي سوى عشر دقائق بالسيارة ويقع بين مجموعة من المزارع. هكذا خطونا خطواتنا نحو مرسم رولف دي فين، الذي أستقبلنا مع زوجته سونيا بحفاوة وأبتسامة ترحيب واضحة، وقد هيأوا الفرن الحجري الصغير في آخر الحديقة وكل مانحتاجه لعمل (بيتزا) نقوم بصنعها بأنفسنا ونحن نتبادل الحديث عن مشاريعنا الفنية. لا أريد هنا أن أتحدث عن (البيتزا) وكيفية صنعها بالتأكيد، لكني أردت أن أتحدث عن رولف الفنان والصديق الذي ينحت ويرسم ويحفر على الخشب في هذا المكان الريفي الجميل، إضافة الى أنشغاله ببعض الدروس التي يعطيها في الفن ومشاركته في بعض المهرجانات المخصصة للنحت على الثلج.
أثناء مرورنا بحديقته الأمامية الواسعة، أثارت أنتباهي مجموعة من التماثيل الكبيرة، فتجولت بين هذه الأعمال المنتصبة هنا وهناك والتي أستعمل في تنفيذها مادة الخشب والألمنيوم والقار الأسود، وكذلك توزعت في نفس المكان بعض الأعمال غير المكتملة التي تحيطها أدوات النحت وقطع ونشارة الأخشاب المفروشة على الأرض، أعمال خشنة الملمس وقليلة التفاصيل وفيها رمزية كبيرة. بعد قليل دعانا لرؤية مرسمه وأعماله الجديدة التي مازال منشغلاً بتنفيذها. وهكذا تجولنا في بعض زوايا البيت والمرسم المكتظ بالأعمال وهو يتحدث بحماس عن التقنيات التي يمارسها على سطوح لوحاته أو أعمال الطباعة التي يبحث لها دائماً عن أمكانيات جديدة وأساليب فيها بعض التفرد، هو الذي لا يطبع من أعماله الكرافيكية أكثر من عشر نسخ للعمل الواحد كي يحافظ على القيمة الفنية لها. وقد أنعكس شغفه بأعمال الطباعة على سطوح لوحاته المنفذة بالزيت أو الأكريليك وهذا نراه من خلال اللونين الاسود والأبيض ودرجات الرمادي التي طغت على الأعمال.
بعد حديث هنا وهناك مع بعض الصديقات والأصدقاء أقترب رولف وطلب مني أن أتبعه ليريني شيئاً، سرنا نحو الجانب الخلفي للحديقة بمحاذات سياج واطئ يفصله عن مزرعة فيها خيول صغيرة الحجوم من نوع البوني، لندخل الى مشغل آخر تتبعثر فيه المواد وآلات الحفر، ليشير الى الواح خشبية واسعة وسميكة بأرتفاع مترين تقريباً وعرضها يصل الى أكثر من متر، كانت هناك أربعة منها مرصوفة على بعضها، وحين كشفها لي رأيت أعمالاً مدهشة في الحفر على الخشب وبهذا الحجم العملاق، تفحصتها جيداً واذا بها تكوّن عملاً واحداً وكل لوح من هذه الألواح الأربعة تمثل لوناً من الألوان الأربعة الأساسية للعمل كما هو معمول في الحفر على الخشب للأعمال الملونة. أعمال تحتاج الى صبر كبير ودراية بأعمال الطباعة وكذلك تحتاج الى قوة جسدية بالتأكيد. وهنا سألته (وكيف يمكنك طباعة أعمال كبيرة كهذه؟ أين هي ماكنة الطباعة التي تطبع مثل هذه الحجوم؟ ) فضحك وقال لي وهو يحرك رأسه يميناً وشمالاً وكأنه يريد أن يبوح لي بسر كبير (لقد ساعدني فلاحو القرية على طباعة هذه الأعمال) لكن كيف؟ سألته، فقال (عدد منهم ساعدني بالتحبير وعدد آخر قام بحمل الكلائش التي وضعناها بهدوء على الشارع وفوقها ورق الطباعة ومررّنا فوقها آلة رص الشوارع ذات اللولب الحديدي الثقيل، وفي كل طبعة مررّنا الآلة أربع مرات بعدد الألوان التي طبعنا بها العمل وكانت النتائج مدهشة). أرتسمت الدهشة على وجهي وأنا أعرف بأنه لا يملك حلاً آخراً لطباعة هذه الأعمال الواسعة غير هذه الطريقة المجنونة والمبتكرة. عدنا لأصدقائنا من جديد حيث يتطاير دخان الموقد ويمتزج مع رائحة العشب وعطر الأحاديث الفنية التي لا تريد أن تنتهي أبداً، وأنا أقول لنفسي، ليس هناك فن جميل بدون بعض الجنون.
كيف ساعد الفلاحون صديقي برسم لوحاته
[post-views]
نشر في: 15 إبريل, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...