ينشغل الرأي العام البريطاني هذه الأيام بتحذيرات أطلقتها جمعيات الحيوان عن إمكانية انقراض آخر نسر ذهبي في إحدى مناطق مقاطعة كومبريا. البريطانيون يخشون ألا يشاهدوا مرة أخرى هذا الطائر الذي يُبشرهم بحلول فصل الربيع، والذي أصبح أيقونة للتفاؤل والابتهاج بتعاقب الفصول.
بمثل هذا الجدل، ينشغل ورثة الإمبراطورية العجوز الذي يبدو لنا نحن العالم ثالثيون ضرباً من ضروب البطر إذا ما قورن بالأزمات التي تضرب منطقة الشرق الأوسط منذ انطلاق الربيع الذي بدأه الإخوان وقطف ثماره تنظيم داعش الإرهابي.
لم يعد " ابو ناجي" يحفل بانهيار حدود سايكس - بيكو التي وضعتنا في اُتون الاضطراب والاحتراب المتواصل منذ مطلع القرن العشرين. فالنسر الذهبي أهم من مصائر ملايين القتلى والمهجرين في حسابات الإنغلوساكسون. الخواجة الغربي تجاهل إرادات شعوب المنطقة عندما أعمل رجاله لرسم خرائط الشرق الأوسط، وتجاهل ايضا سيناريوهات التفتيت التي تهدد دولنا مرة أخرى هذه الأيام.
الإفرنجي، الخارج من حربين عالميتين طحنتا الملايين، لا تتملكه الرغبة هذه الأيام بالخوض في حروبنا وأنهار الدماء التي تسيل بغزارة،÷ فالحمل لا يقوم به إلا أصحابه.
لكن على الضفة الأخرى من المتوسط، تخوض بلاد الثور المجنح، رمز الحكمة والقوة، في وحل الخيبة والإحباط، بسبب فقدان البوصلة، وقصر النظر، والافتقال للمسؤولية في التعاطي مع الأزمات السياسية والاجتماعية.
ومنذ شباط الماضي، والثور المجنح يعاني من ارتباك قواه السياسية، وطبقته الحاكمة التي وصلت الى لحظة الاصطدام الكبرى بعد 13 عاماً من الشراكة الزائفة. فقد كشفت الأسابيع الأخيرة لكل العراقيين حجم الغياب الكارثي للعقلانية السياسية في أشد ظروف البلد حسماً. فالكل يطرح مبادراته الإصلاحية، والكل يهجو المحاصصة بأقذع عبارات القاموس، لكن الواقع يُثبت عكس المدعيات.
طيلة السنوات الماضية، والقوى السياسية تمارس تسقيطاً ممنهجاً ومتبادلاً في ما بينها، وهو أمر صحي اذا ما بقي في إطاره الطبيعي لكنه تجاوز ذلك الى حدود الانفجار الخطير، وأدى ذلك بالمحصلة الى أن تعلق جميع الأطراف في وحل السقوط رغم حضورها المخضرم في الحكومة والبرلمان. فرغم تمتع الأطراف بشرعية سياسية، لكنها باتت تفتقر للشرعية الأخلاقية، وهي الأهم.
في مثل هكذا أجواء ملتبسة ضاجة بالمزايدات، لم يعد بإمكان العراقي التمييز بين دعاة الإصلاح الحقيقيين وبين الدعاة المزيفين.
وزاد الطين بلـّة بعد واقعة الخميس التي اتحد فيها أضداد العملية السياسية لإسقاط بعضها البعض الآخر. فيجد العراقي هذه الايام نفسه أمام مفارقة عجيبة، وهو يشاهد المالكيين والصدريين والعلاويين بالاضافة الى أطراف أخرى في معسكر يقابله معسكر يجمع هادي العامري والنجيفي والحكيم والجبوري.
وبدا المشهد أكثر تعقيداً والتباساً حينما يدعو الصدر الرئاسات الثلاث الى التنسيق، من دون الإشارة الى مصير سليم الجبوري، لتمرير "حكومة الظرف المغلق"، التي كانت القشة التي قصمت ظهر التشكيلة السياسية. والأكثر غرابة ان يعتصم نواب الصدر مع زملائهم في دولة القانون، بينما يحمل الصدر بلهجته المعهودة على زعيم دولة القانون نوري المالكي. الطريف في الموضوع ان بعض الأطراف التي تعارض واشنطن او طهران تجد نفسها مضطرة للاصطفاف مع هاتين العاصمتين اللدودتين!
يوماً بعد آخر، يُثبت قادة البلاد أنهم يرفضون الاعتراف باخفاقاتهم مجتمعين، فهم يواصلون تبادل الاتهامات بطريقة صبيانية حوّلت العراق الى مختبر مفتوح امام كل المغامرين. فقد أغرى انقلاب عبدالكريم قاسم أصغر ضابط عراقي بقيادة انقلاب، وها هي مغامرات الساسة تغري كل مَن هبَّ ومَن دبَّ من الهواة لصعود كرسي السلطة.
نسرٌ بريطاني وثـورٌ عراقي
[post-views]
نشر في: 17 إبريل, 2016: 09:01 م