نظم قصر الثقافة والفنون في البصرة التابع لدائرة العلاقات الثقافية العامة في وزارة الثقافة، وبالتعاون مع ملتقى جيكور الثقافي، أمسية استذكارية للشاعر الكبير مصطفى جمال الدين، ضُيّف فيها الشاعر محمد نجل الشاعر الكبير الراحل الذي تحدث عن تجربة والده - رح
نظم قصر الثقافة والفنون في البصرة التابع لدائرة العلاقات الثقافية العامة في وزارة الثقافة، وبالتعاون مع ملتقى جيكور الثقافي، أمسية استذكارية للشاعر الكبير مصطفى جمال الدين، ضُيّف فيها الشاعر محمد نجل الشاعر الكبير الراحل الذي تحدث عن تجربة والده - رحمه الله - في الشعر والإبداع وفي المعارضة.
وبيّن نجله انَّ الشاعر مصطفى جمال الدين رأس المجموعة التي ألفت أسرة الأدب في بداية الخمسينات، وكان أكثرهم حركة وانشغالا بين النجف وقرية "المؤمنين" في سوق الشيوخ في الناصرية، موطن أسرته، ثمَّ استقر أخيرا في النجف الأشرف.
وكانت (أسرة الأدب اليقظ) تعدّ نفسها مستقلة في طموحها للتجديد والحداثة، وكانت بين أفراد هذه الأسرة ملاحظات شعرية في قصائد مشتركة كانوا يتناسون بها ضيق الحياة وعسرها.
وتمنى المتحدث أنه لو جمعت تلك الإخوانيات والملاطفات الشعرية ونشرت كونها تمثل مرحلة حياة (أسرة الأدب اليقظ) قبل أن يتفرقوا بعد ثورة تموز 1958 وتأسيس كلية الفقه، إذ كان السيد مصطفى والشيخ الدكتور أحمد الوائلي من خريجيها في أول دورة، وظل السيد مصطفى ملازما الكلية بعد حصوله على الشهادتين العاليتين مدرسا يرفدها بالجديد من أفكاره ومؤلفاته وكتابه (الإيقاع في الشعر العربي من البيت إلى التفعيلة) الذي كان منهجا لطلبة الكلية وللجامعات العراقية في مادة العروض، كما رفدها مؤسسوها بالجديد في مناهج الفقه والأصول والمنطق.
وأضاف قائلا: نستطيع أن نرسم خطوطا عامة لأجيال الشعراء الذين تعاقبوا في النجف الأشرف منذ أن امتد ظل النهضة الأدبية في العالم العربي. كان جيل السيد محمد سعيد الحبوبي والسيد حيدر الحلي علامة لنهاية فترة الجمود الشعري الذي شاع في القرون المتأخرة وبداية القرن العشرين في أصوات الجيل الثاني جيل الشيخ جواد الشبيبي ومحمد رضا الشبيبي وعلي الشرقي.. هذا الجيل الذي علا بصوته الصحو الأدبي، وظهرت فيه ملامح النهضة الأدبية. لقد مثل نضج هذا الامتداد الشعري الناهض الجواهري وصالح الجعفري ومحمود الحبوبي واحمد الصافي وغيرهم.. وكان تأثير الأجواء الحضارية الجديدة يثير صراعا بين المذاهب الأدبية وبين الأجيال الشعرية، وكان السيد مصطفى حرّ الفكر متمردا على الجمود، وهي أهم خصائص المبدع يميل إلى التجديد في كلِّ شيء، ولم يكن يرى الثبات في الحياة ولكنه التجديد المنطلق من التراث، ليكون الجديد أصيلا لا تقليدا.
ورسم نجل جمال الدين صورة كلامية عن المجالس الأدبية في النجف آنذاك، قائلاً: لقد كانت كل مناسبة تكريم عالم أو تأبين مجتهد مجالا يبث الشعراء فيها همومهم، وهذا كان دأب الشعراء في أفراح النجف وأحزانها ومنها جيل جمال الدين الذي سار بجرأة يدعو إلى اليقظة والسعي إلى التطوير في الحياة العلمية والأدبية . وظل السيد مصطفى مواكبا التطور، وهو مدرس في كلية الفقه وجامعة بغداد إذ لم تبعده الحياة الأكاديمية عن الشعر وسيلته الفضلى في الدعوة والاحتجاج وكتابة الإيقاع في الشعر العربي ونقلة في دراسة العروض ونظرية جديدة في منهجه.
ويمثل شعر السيد مصطفى الامتداد الناضج لشعر الجواهري وبدوي الجبل وعمر أبو ريشة . لقد كان يميل إلى فصاحة التركيب وحركة الصورة الشعرية وتوظيف الكلمة والصيغة توظيفا شعريا مجازيا لكنه كان يبتعد عن التعقيد، فهو يؤمن بأن الشاعر ينبغي أن يعبر عن فكرته بوضوح؛ لأنَّه من شعراء الالتزام، وقد يتخذ الرمز والقناع أحيانا وسيلة تعبيرية، واهم خصائصه الشعرية استعمال المفارقة سواء في صوره التمثيلية في المقطع أو باستخدام الكلمة استخداما مجازيا.
وهكذا كان الشاعر مصطفى جمال الدين مبدعا حتى في إنشاده، إذ كان بارعا في إلقاء الشعر بصوته الرخيم بنبراته وتقطيعاته التي تجسد الصورة الشعرية، فيشد المتلقين إليه وذلك ما يتصف به نوادر المبدعين من الشعراء بل كان مبدعا حتى في حديثه في مجالسه الأدبية. وكان يؤمن تماما بأن الشكل القديم للقصيدة لم يزل قادرا على استيعاب عطاء الشاعر خصوصا ذوي المواهب.