TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > رولان بارت والشعر

رولان بارت والشعر

نشر في: 22 إبريل, 2016: 09:01 م

كتبنا عن "ميشيل فوكو والشعر"، الأسبوع المنصرم، اليوم نكتب عن رولان بارت والشعر، الهايكو خاصة، لسبب مغاير. فبارت ليس مجهولاً لدى المعنيين سيميائياً فهوناقد أدبي ومُحلّل لبنية الحكاية، لكن علاقته بـ "بلاغة الصورة" تظل شبه مجهولة في الدرس النقديّ والجامعيّ والطلابيّ العربيّ، بسبب موقف مجهول ما بين الأوساط العربية الأدبية المعاصرة الجديدة من مفهوم (البلاغة) نفسه. المفهوم المتقعّر والموصول بالمحسّنات واليبوس الأكاديميّ حسب رأي شريحة واسعة. بارت لم ير الرأي نفسه، وعاود تحيين مفهوم البلاغة ليربطه بعلوم اللسان والخطاب وفقه اللغة، وهو أصله الأول قبل ارتباطه بالآداب الجميلة، حسبما يقول، يقصد الشعر مثلاً.
المفارقة أن بارت لم يهتم إلا على نطاق ضيق بالشعر نفسه، ولم يفكّك علاقة الشعر بتلك البلاغة، حسبما نرى نحن. ومن تناولاته القليلة له، ربطه لأزمة الشعر الحديث بأزمة اللغة. إذ يرى أن الفهم الذاهب إلى تفكك الكتابة الشعرية مقرون بالثورة العقلية والمنطقية التي تقيّد من حرية الشاعر، وهو ما يُفسّر أن القارئ للشعر الحديث يلتقي بمجموعة من الكلمات التي لا رابط بينها، وذلك لتراجع "الوظيفة الإسنادية" في نسيج القصيدة اللفظيّ.
في مرة أخرى يذهب إلى قول لعله يشرح تصوّره الآنف: "في اللغة الكلاسيكية، العلاقات هي التي تقود اللفظ ثم تدفعه تواً إلى معنى مبيّت دائماً، وفي الشعر الحديث العلاقات هي مجرد توسُّع للفظ، فاللفظ هو السكن".
لكن بارت تحدث في مناسبات أخرى عن شعر الهايكو، دون أن يكون متخصّصاً به، خاصة إشاراته في "امبراطورية الحواس" وفي "إعداد الرواية" حيث يكشف عن السطوة النظرية للهايكو، في سياق تأملاته عن العلامات والكتابة. هاكم تأملاته:
"الهايكو يمنح المرء الرغبةَ: فكم من القراء الغربيين حلموا بالتجوال في الحياة، بكرّاسة في اليد، وهم يدوّنون هنا وهناك (انطباعات) يضمن اختصارها اكتمالها، وتشهد بساطتها على عمقها (بفضيلة أسطورة مزدوجة، الأولى كلاسيكية تجعل من إيجازها دليلاً على الفن، الثانية رومانتيكية تنسب قسطاً من الحقيقة إلى الارتجال). الهايكو، بجلائه، لا يعني شيئاً" ص89.
"إن اختصار الهايكو ليس شكلياً: الهايكو ليس فكرة عميقة تحوّلت إلى شكل مختصَر، لكن حادثة مختصَرة وجدت حالاً شكلها الدقيقّ ص98، وكلا الاستشهادين من "امبراطورية الحواس"، ثم:
" الهايكو هو الرغبة الفورية، دون وساطة" ص65.
"الهايكو مختصر، لكن ليس مُحدَّداً، مُغْلَقاً" ص67.
"يذهب الهايكو باتجاه تميّز مكثّف، دون تسويةٍ مع التعميم" ص74.
"لا يرتجي الهايكو استعادة الزمن (الضائع) تالياً بعد الواقعة، عبر فعل الذاكرة غير الطوعية السياديّ، إنما على العكس: يجدُ (وليس يستعيد) الزمن فوراً والآن: لقد أُنْقِذ الزمن فوراً [وهذا] يساوي تزامُن الملاحظة (الكتابية) مع الإثارة: إثمار فوريّ للحسّاس وللكتابة، الأول [الحسّاس] يستمتع عبر الثاني بفضل شكل الهايكو، [نصل] إذنْ إلى كتابةِ (فلسفةِ) اللحظة" ص85
"مرجع الهايكو ([أي] ما يَصِفُهُ) مميَّز [مخصوص] دوماً. لا يوجد هايكو يُدَعِّم العموميّ" ص87
"احتمالية [حدوث الأمر الطارئ] هو أُسّ الهايكو" ص88.
"ليس الهايكو وظيفيّ، إنه لا يخترع [شيئاً]، إنه يحمل في داخله اليقينَ- عبر كيمياء خاصة للشكل المختصَر - بأن هذا قد وقع [حقاً]" ص89، وهذه كلها في (إعداد الرواية) وهي من ترجمتنا.
وفي الحقيقة، فإن اهتمام رولان بارت بالهايكو موصول بشكل قويّ باهتمامه بشكل (الشذرة) و(الشذرات) الذي لعله يعادل عنده شكلاً شعرياً مُحايثاً وأصلياً. وهنا موضوع يستحق بحثاً أعمق من هذه الكلمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

قناطر: الزبير والمُستزْبِرون

العمود الثامن: من يحاسب ضباط الداخلية ؟

التحدي الوجودي للمشرق العربي

قناديل: خسر كوبولا ملايينه. هل ربح نفسه؟

هل تعد واشنطن لاتصالات سرية مع إيران؟

العمود الثامن: من يحاسب ضباط الداخلية ؟

 علي حسين قالوا في تسويغ جريمة تعذيب وقتل المهندس بشير خالد، إنها حادثة طبيعية، مجرد شجار بين السجناء ادى الى نهاية حياة مواطن بوحشية، وطالبتنا وزارة الداخلية بان نكون مع الصادقين، وان لا...
علي حسين

قناديل: خسر كوبولا ملايينه. هل ربح نفسه؟

 لطفية الدليمي لم أصدّق نفسي بادئ الأمر. فرنسيس فورد كوبولا، صانعُ الروائع السينمائية (العرّاب) و (القيامة الآن) و(المحادثة) تتوّجُهُ الأكاديمية السينمائية الأشهر في العالم على رأس قائمة الأفلام الأسوأ صناعة. هكذا رأى أقطاب...
لطفية الدليمي

قناطر: الزبير والمُستزْبِرون

طالب عبد العزيز أثارت دعاوى بعض النوّاب والشخصيات الاجتماعية من (المستزبرين) الخاصة بجعل قضاء الزبير محافظة ردود أفعال رسمية شعبية كبيرة، خلال الأسبوعين الماضيين، ودافع عنها البعض على المستويين الرسمي والشعبي، واستنكرها غالبيةُ البصريين...
طالب عبد العزيز

التحدي الوجودي للمشرق العربي

فراس ناجي تواجه دول ومجتمعات المشرق العربي تحدياً وجودياً عبر حالة التوحش اللاإنساني في استعمال القوة لفرض إرادة المشروع الاستيطاني الصهيوني التوسعي بالتزامن مع انهيار مبادئ النظام الدولي وشلل مؤسساته المعنية بتطبيق هذه المبادئ....
فراس ناجي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram