TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صمت الحملان

صمت الحملان

نشر في: 22 إبريل, 2016: 09:01 م

في عام 1991 ، وخلال الانتفاضة الشعبانية التي كان الهدف منها القضاء على الدكتاتورية ، أدت حالة الفوضى الى نشوء ظاهرة (الفرهود) في بعض المحافظات ومنها كربلاء ..كان منزلنا قرب المخازن التي لا نعرف مَن فتح اقفالها ودعا المواطنين لحمل ما يرغبون به من حصتهم في (اموالهم لدى الحكومة) .وقتها ، شاهدت مناظر لا تفارق ذاكرتي حتى الآن ..هجم المواطنون على المخازن وصار يمكنك ان تشاهد عباءات النساء تسقط عن رؤوسهن وهن يجرجرن اكياساً من المواد الغذائية بينما يدوس الاطفال بأحذيتهم او ارجلهم الحافية على حبات الرز والعدس والفاصوليا والسكر التي تناثرت على الطرقات ..وقتها ، شاهدت جارنا العجوز الوقور يحمل قطعة اثاث من السيراميك لا يعرف ماهيتها وحين قال له الشباب انها (مرحاض غربي ) رماها على الارض وسط ضحكاتهم..كانت مشاهد مؤلمة جدا، فالبعض اعتبر المخازن غنيمة و(فرهد) كل ما فيها ببراعة لم نكن نتخيلها منه !..
وفي عام 2003 وبعد سقوط الدكتاتور ودخول الأمريكان الى العراق ، كنت اسكن في احدى مناطق حزام بغداد وشهدت للأسف مرة اخرى قيام ظاهرة (الفرهود) وكان الامريكان هذه المرة مَن فتح أقفال المخازن وقالوا للناس (خذوا حصتكم من النفط) ..كانت المشاهد اكثر إيلاما ..كدت ارى اللعاب يسيل من افواه البعض وهم يركبون هذه المرة سيارات حديثة ويجرجرون اجهزة وقطع اثاث ومواد انشائية غصت بها منازلهم ..بعضهم فقد حياته من اجل مركبة تنافس مع آخر على اقتنائها ، واُصيب احد ابناء المنطقة اصابات بالغة وهو ( يسحل ) القضبان الحديدية المستخدمة في البناء ويكدسها اذ سقط من فوقها لتخترق صدره .. وقتها ، شاهدت كيف قاد شاب سيارة حديثة (فرهدها ) بسرعة جنونية فانقلبت السيارة ووقع في بركة مياه ، وبعد ان خرج من السيارة ناجياً باعجوبة لم يحتمل لوم عمه الذي شاركه في (فرهدة) السيارة فعاد الى موقع الحادث حاملا رشاشته المليئة بالذخيرة واطلق مخزنا كاملا على السيارة ليحولها الى (سكراب ) ! حين علم أهله بالخبر علقت شقيقته قائلة :" مال فرهود ما يوجع الكلب " !!
قبل ايام ، حين حاصر المعتصمون بعض الوزارات وكانت الاحداث تشير لحدوث فوضى في الشارع العراقي ، خشيت ان تعود ظاهرة (الفرهود) الى الظهور من جديد ..فاذا كان صدام قد مارس سياسة التجويع والترهيب ليكبح جماح شعبه ويفرض عليه سلطته وتكون النتيجة (تشفي ) الشعب بفتح المخازن و(فرهدة ) اموال الدولة ، فماذا سيفعل الشعب اليوم وقد مارس معه حكام اليوم (الديمقراطيون) السياسة نفسها مضافا اليها جرعة كبيرة من خيبة الأمل بهم ..خشيت ان تؤدي الفوضى الى استباحة المال العام بعد ان استباحه الحكام وان يتحول(صمت الحملان) الى عواء ذئاب فتعكس الملامح المسالمة والنوايا السلمية للمعتصمين توحشاً وعنفاً. ..
ساحتنا السياسية اليوم لا تحتمل فوضى ولا (فرهودا) آخرأو اجتهادات فردية كما جرى في وزارة العدل ، فالفوضى موجودة اصلا منذ ان اصبح في بلدنا (برلمانين) وحكومة معارضة للحكومة ، والفرهود موجود طوال الاعوام السابقة ليس من الشعب، بل من الحكومة اما الاجتهادات الفردية فلن تقودنا الا الى نهاية لا نُحسد عليها ..شعبنا بحاجة الى ضبط النفس والى استعادة توازنه والنظر بعين الحكمة الى مَن سيقوده الى الخلاص ويكفيه مامر به من كبوات وخيبات تاريخية أدت اليها غالبا دكتاتورية الحكام و(استباحة) المال العام لأنه (ما يوجع الكلب) ...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram