١- عراقيو ستوكهولم المدنيون
قوم لطفاء القلوب، حيويو الضمير، أقاموا مهرجان الشعر العراقي الأول في ستوكهولم، بروح التعاون والوقوف، جنباً إلى جنب، مع بعضهم بعضاً، في فضاء الشعر، خطوةً تعبيرية، وطنية ديمقراطية، من أجل التضامن مع الحراك الشعبي المدني في بغداد، وبقية المحافظات. .. ولأن الفنون توحّد الناس أكثر من السياسة، بكثير، جعل هؤلاء الأصدقاء من الشعر منصة للجمال والحريّة والمواطنة، فاقترحوا القصيدة يافطة ملونة بالأمل والأحلام ترفرف في فضاء العاصمة السويدية الباردة. الشعر العراقي روح معتق منذ زمن سحيق في قلب حضارته السحيقة، على خلاف حضارات العالم الأخرى، ومن هناك، عبر الزمن، لم يزل ينبض ويتدفق ويتجدد.
وعلى خلاف شعر العالم ارتبط الشعر العراقي منذ القدم بالناس، عشاقاً وحالمين ومجانين. مهرجان التيار الديمقراطي العراقي في ستوكهولم، بالتعاون بين الجمعية المندائية ورابطة الانصار الشيوعيين، رغم محدودية الإمكانات، اتسع لعدد غير قليل من الشعراء، عرباً وآشوريين، في تنوّع لغوي وجمالي، هو جزء حي من تنوّع ما بين النهرين، وتنوعت قصائد الشعراء ورؤاهم وزوايا نظرهم ومستويات مقاربتهم للشعر، وهم يقفون على منصة المهرجان ويطلقون كلماتهم باتجاه الوطن.
أن يختار أصدقاؤنا المدنيون الديمقراطيون الشعر نشاطاً اجتماعياً في منح النبرة السياسية ليونةً لغويةً ولوناً خطابياً جميلاً، لهوَ نوعٌ من توسيع الشراكة وإضافة ملاذٍ صغيرٍ في عري الغربةِ ورسالةِ أمل في برودة المنفى العراقي المزمن.
.. وإذ سألت عن أصدقاء شعراء آخرين غابوا عن هذا النشاط، الذي هو أصغر من مهرجان وأكبر من أمسيتين شعريتين، أبدى الزملاء المنظّمون أسفهم وقلة حيلتهم بسبب شحة الإمكانات وتعذر توفير متطلبات السفر والإقامة، ليس ثمة مهرجان يتسع للشعراء، كلهم، وما أروع أن يشارك شعراء العراق كلهم. ليت للشعراء مهرجان واحد يتسع للجميع لأقمناه واسترحنا!.
٢- التتمة والنقصان
في نص بورخيس تفاعل السرد والشعر حيث تتولد العبقرية عند مفترق الطرق. من المعلم الكبير بورخيس:
"أكتب لأن شيئاً ينبغي أن يتم". ومن قصته "مرآة الحبر":
"خلال عتمتي اتكشف ببطء
نصف النور الأجوف بعصاي المترددة،أنا الذي تصورت الجنة دائماً على شكل مكتبة". ترجمة محمد عبد الرحيم.
حاشا أن تراود المعلم بورخيس فكرة أن الكتابة "تكملة" أو "ملء فراغٍ ما" في هذا العالم.. فهو الرائي والعبقري.
الكتابة قد تكون هي الفراغ الضروري في هذا العالم. الفراغ الذي يبدد الكتل الصلبة ويزيحها.
أدرك أن بورخيس قصد في ما قاله أن ثمة نقصاً فادحاً في ما حولنا على الكتّاب أن يعالجوه.
أن يكتبوا لتبدو الحياة أكثر تماسكاً ومنعةً وأقل اضطراباً.
لولا النقص الوجودي الفادح لما كتب كاتب كتاباً. هناك، دائماً، نقص وثغرة ونقصان. الكتابة نوع من ترتيق تمزقات الحياة وتدبير نسيجها المهلهل، مثل ما تقوم به الأمهات الفقيرات في ترتيق أسمال العائلة، عندما يتعذر إنشاء الجديد: تغيير الحياة برمتها.
المكتبة الهائلة منذ خط أحدهم إشارة تحذر العابرين من خطر ما حتى مراهق ما يخربش في دفتره المدرسي كلماتٍ يحسبها شعراً، هي مجموع كتب الكتّاب التي تؤلف الجنة. ما أفقر العالم بلا كتابة، بلا كتّاب، بلا مكتبة.
تُعلّمنا الكتب المرصوفة على الرفوف، أو تلك المتجاورة في حواسيبنا، ضرورة المشاركة والحوار والتعلم.. التنوع العميق للإنسانية.. المجاورة والحوار والتعايش.. إذ يندرج كل هذا تحت باب: أن كلّ شيء ينبغي أن يتم.
ورقة سويدية
[post-views]
نشر في: 25 إبريل, 2016: 09:01 م