من الحكايات الجميلة عن العرضحالجية ومواقفهم مع الزبائن والمراجعين للدوائر الحكومية الذين لا يعرفون القراءة والكتابة. يُحكى أن فلاحاً سُلبت أرضه رغماً عنه، فقصد العرضحالجي ليكتب له عريضة يرفعها إلى الوالي أملاً في حلِّ المشكلة، عندها سأله العرضحالجي ل

من الحكايات الجميلة عن العرضحالجية ومواقفهم مع الزبائن والمراجعين للدوائر الحكومية الذين لا يعرفون القراءة والكتابة. يُحكى أن فلاحاً سُلبت أرضه رغماً عنه، فقصد العرضحالجي ليكتب له عريضة يرفعها إلى الوالي أملاً في حلِّ المشكلة، عندها سأله العرضحالجي لدينا ثلاثة أنواع من العرائض الأولى بربع دينار والثانية بنصف دينار والثالثة بدينار فأيِّ نوع منها تُريد ؟ ردَّ الفلاح مستغرباً: وما الفرق بينها ؟  قال العرضحالجي: النوع الأول ربما تُهمل ولا تُقرأ أو تُحل، وكذلك النوع الثاني، أما النوع الثالث فيبتُّ بأمر القضية بالتأكيد. لم يكن أمام الفلاح إلا أن يختار النوع الثالث وبدأ العرضحالجي بالكتابة ورقة ورقتين الخ، حتى أكملها وقرأها نزولاً عند رغبة الفلاح وما أن وصل إلى النصف حتى بدأ الفلاح بالبكاء. توقف العرضحالجي وسأله عن سبب بكائه فأجابه: لم أكن أعلم أني مظلوم إلى هذا الحد؟! هذه الحكاية من الواقع العراقي لدور كُتّاب العرائض الذين تحولوا بمرور الأيام الى حلقة ربط بين المراجع وبين المسؤول عن اتمام معاملته بشكل مباشر من دون أية حلقات زائدة.

أنواع العرضحالجية
العرضحالجية كلمة عثمانية الأصل ربما تكون مشتقة من اللغة العربية مباشرة فهي تتألف من كلمتين أساسيتين هما عرض وحال، أُضيفت إليهما اللاحق التركية (جي) ليست من المهن الجديدة، بل هي قديمة وموجودة من زمن السومريين والبابليين حيث كان يجلس الكاهن في باب المعبد وينقش بالآسفين على الأجر طلبات المواطنين للإله والملوك وتطورت مع تطور الإنسان وحاجاته واتخذت أشكالا وصيغاً مختلفة ومتعددة وزاد عدد ممتهنيها.
هذه المهنة يمارسها أناس يختارون عدداً من أبواب الدوائر الرسمية للدولة وخاصة دوائر المحاكم والبريد والبلدية والطابو وكُتّاب العدل وما شابه ذلك يكسبون أرزاقهم مما يكتبون من عرائض وشكاوى الناس خاصة ممن لا يجيدون القراءة والكتابة.
والعرضحالجية نوعان: الأول غير متعلمين ولغتهم ضعيفة وركيكة يستخدمون كليشات معينة يحفظونها عن ظهر قلب لكنهم يتمتعون بعلاقات وطيدة مع الموظفين ويعرفون طرق إنهاء أية معاملة بسرعة. والثاني مُلماً بالأنظمة والقوانين والأصول الشرعية والمراجعات. أغلب هؤلاء  من المتقاعدين ومن الدائرة نفسها التي يجلس أمام بابها.
ما أن توقفت سيارة الأجرة في شارع السعدون وتحديداً أمام البنزينخانة، وما ان استدرت بوجهي واذا بصبي لا يتعدى عمره (11) عاما يقول: مكتب المعلومات أجبته نعم حيث قادني الى رجل يجلس على الرصيف ويضع أمامه ثلاثة أجهزة (استنساخ ملون، وآخر عادي، طابعة) مستظلاً بمظله سألني الرجل الذي يتجاوز العقد الخامس من عمره استمارة معلومات؟ قلتُ لا أحتاج فصاح بالصبي (شكو جبتها) ولكني تداركت الموقف وقلتُ أريد استنساخ ملون استنسخ الأوراق لكنه عاد وقال: سوف تعودين لي لا أحد يُملي الاستمارة إلا أنا. دخلت الدائرة وتركت الرجل  يملأ الاستمارة لرجل كبير في السن لكنه يعرف الكتابة والقراءة إذ كان يتمتم بكلمات واضحة مفادها (إلا يخسرونا فلوس مو أعرف أكتب المعلومات). في النهاية رجعت لكاتب العرائض كي يملأ استمارة طلب المعلومات الخاصة بنقل بطاقة السكن من دون أعرف السبب طبعا.

الموظف المسؤول
قرب دائرة التسجيل العقاري في الكرخ الأولى المنصور سألني أحد الموظفين (شنو المعاملة؟) أجبته تحويل ملكية سحب ورقة، وقال اذهبي الى كاتب العرائض يملأها لكِ، قلت يمكني فعل ذلك ردَّ لا هو يعرف (الكليشة) الاستمارة مجاناً وكتب عليها سند تمليك ومن ثم الاسم والمستمسكات والغرض منه، على ما يبدو كان لابد من دفع مبلغ خمسة آلاف دينار لكاتب العرائض حتى يدوِّن اسمي وما أُريد وفرصة لأن أسأله لماذا انت تقوم بكتابة المعلومات والموظف هو من أعطاني الاستمارة مجاناً وباستطاعته أن يكتب او أملأها بنفسي. بعد مجادلة ترك استمارتي وأخذ بملء استمارة أخرى سحب بيـان.
بعد ان فرغ من المراجعين جاءه رجل واستفسر منه عمن يمكن له انهاء معاملته من دون عناء وبسرعة، أخذه العرضحالجي الى موظف معني بالأمر أثناء الطريق اتفق معه على المبلغ وكل هذا ما أفصح عنه جاره كاتب العرائض الآخر!

أسعار تجارية
المحامي علي الساعدي تحدث لـ(المدى) قبل ايام وفي محكمة بداءة مدينة الصدر الواقعة في ساحة مظفر اشترى شخص (جنبر) كشك بسعر (12) مليون دينار عراقي يُستخدم للاستنساخ وكتابة العرائض وموقعه ستراتيجي حسب تسمية كُتّاب العرائض لأنه يقع داخل المحكمة. مضيفا: اصبح كاتب العرائض ينافس المحامي خصوصا مَن لهم خبرة طويلة في الجلوس امام المحاكم والدوائر واصبح اسلوبهم في كتابة العرائض قانونياً ويضم في فحواه كل ما يمكن ان يكسب الدعوى للمدعي.
وأوضح الساعدي: ان اغلب كُتّاب العرائض يتفقون مع موظفين او حتى مع المحامين لإرسال المراجعين مقابل نسبة معينة خاصة في محاكم البداءة. منوِّهاً: ان البعض من المشتكين لا يعرف كيف يُقيم دعوى ويرسل المدعي من الموظف الى العرضحالجي الذي يكتب له الدعوى مقابل خمسة آلاف دينار ولا تكلف شيئاً. لافتا: ان القانون لا يمنع من قيام الموظف بالكتابة الى المراجع اذا كان يجهل القراءة والكتابة لكن للاسف البعض من موظفي الدوائر يتعمدون ذلك!

الوصول إلى المصدر
دخلت محكمة بداءة البياع بحجة تقديم دعوى على أحد الأشخاص حيث نصحني احد الموظفين بكاتب العرائض الذي يُدعى أبو محمد مؤكدا: انه الوحيد الذي يستطيع مساعدتي بعد ان اعلمت الموظف بنوع الدعوى. اتجهت صوبه وبعد التحية شرحت له القصة وما مدى امكانية كسب الدعوى وتفاصيل اخرى. طلب مني الانتظار دخل إلى الدائرة وعاد بعد قرابة 10 دقائق وشرح لي كل شيء عن الدعوى ومَن هو الشخص المعني باتمامها بسرعة وكيف يمكن الوصول اليه والمبلغ الذي يريده. بينت له قناعتي بالأمر وسوف أعود في اليوم الثاني ومعي الاوراق والمستمسكات المطلوبة لتقديم الدعوى والأدلة. قبل ذلك كتب رقمه على ورقة وسلمني إياها ان كان لديكِ أي سؤال او استفسار حول الأمر.

سمسار المدير
الخبير القانوني محمد الفتلاوي يقول لـ(المدى) إن من أسوأ الحالات والصفات هو الاتفاق الذي يحدث بين بعض ضعفاء النفوس من الموظفين وكُتاب العرائض واستغلال البعض من المراجعين الى الدوائر الحكومية الذين لا يجيدون القراءة او الكتابة او ممن لا يعرفون طرق المراجعة. مردفا: حيث يقع هؤلاء فريسة لاتفاق غير نزيه إن لم يخضع له المراجع فعليه ان يصرف الوقت والجهد كي يُنهي إتمام معاملته.
واشار الفتلاوي: الى تشجيع عدد من المواطنين على هذه الحالة السلبية بتقديمهم المغريات المادية والدعم المعنوي. لافتا: ان الكثير من الموظفين اخذ بالاتفاق مع العرضحالجي حول نوع المعاملات التي تُنجز عنده وثمن كل معاملة. مشددا: ان كاتب العرائض تحول إلى (سمسار) يأخذ بيد المراجع الى الموظف المسؤول عن إنجاز معاملته.

العرضحالجي الأقرب للمسؤول
كما نوّه الفتلاوي الى ظاهرة أخرى متمثلة بوقوف وربما جلوس البعض من المسؤولين والمدراء في الدوائر الحكومية عند كُتّاب العرائض. عاداً: ذلك رسالة الى المراجعين ان عليهم الاتجاه صوب هذا العرضحالجي فهو الأقرب!    
ودعا الخبير القانوني: كُتّاب العرائض الى الاكتفاء بعملهم فقط وان لا يتدخلوا بعمل المحامي. مبينا: ان البعض منهم يجلس في غرف الدائرة اكثر من جلوسه في مكانه المخصص خارج الدائرة. منبهاً الى ان الكثير منهم يعرف اسرار الدائرة بتفاصيل كثيرة حتى ان البعض منهم نسبّب بنقل موظفين غير متعاونين معهم.

أقرباء ومعارف المدير
منار حسين موظف في إحدى الدوائر الحكومية أكد لـ(المدى) أن بعض كُتّاب العرائض بدأ يستغل مهنته وتحوّل الى سمسار لموظفين داخل بعض الدوائر. مشددا: ان البعض منهم ليس لهم أية صلة بهذه المهنة التي نعدُّها خدمية من الطراز الاول والغاية منها تسهيل امر المواطنين لا الضغط عليهم في سبيل  الحصول على المال.
وأوضح حسين: ان البعض من مدراء الاقسام والدوائر أتى بأحد أقربائه او معارفه وأجلسه بصف العرضحاليجة. مستدركا: ان الغاية من ذلك ان يكون هذا الشخص وسيطاً بينه وبين المراجع، الذي يُرسل اليه عند مراجعة الدائرة لغرض الاتفاق. مردفا: ان الكثير من كُتّاب العرائض يعدون المفتاح الاول لإتمام وانجاز أية معاملة يمكن ان تتوقف او يتلكأ إنجازها لأي نقص.

الجواز بيوم واحـد
بينما علق كاتب العرائض ابو ليث الذي يعمل قرب جوازات منطقة العلاوي لـ(المدى): ان الحصول على مكان كشك او بسطية ليس بالأمر السهل فلابد من اخذ الموافقات الامنية من اصحاب الدائرة التي نتعامل معها. مشيرا: الى الاتفاق مع الموظفين لإرسال المراجعين. مبينا: ان كل كاتب عرائض له موظف محدد يرسل له المراجعين مقابل نسبة من المال.
واضاف ابو ليث: نقوم باستخراج جواز سفر باليوم نفسه بمبلغ (150) الف دينار بعد اكمال الاستمارة. منوّها: ان المراجع يذهب للبصمة قبل الآخرين ومن دون ان يقف في الطابور الطويل والانتظار اسبوعاً. مضيفا: انهم يقومون بدفع مبالغ مالية وسرقفلية لبعض الموظفين الكبار لقاء المكان.

التعليمات عرض الحائط
كل الامور اختلفت في العراق فالتعليمات التي حددت عمل كُتّاب العرائض اختلفت وتحولت الى سرقفلية والواسطات ومن لديه أقارب وأصدقاء وبالنهاية من يدفع اكثر يستطيع الحصول على كشك او جنبر  إذ تنص المادة 1: كل مَن يرغب في ممارسة حرفة كتابة العرائض من غير المشمولين بحكم المادة الحادية عشرة من  قانون كتّاب العرائض في الدوائر الرسمية وشبه الرسمية رقم 135 لسنة 1971 ان يتبع ما يأتي:
1- تقديم طلب تحريري الى محكمة البداءة التي يرغب في ممارسة كتابة العرائض ضمن منطقة اختصاصها على ان يذكر في الطلب ما يأتي:
أ.  اسم طالب الاجازة واسم ابيه وجده ولقبه ومحل اقامته الدائم.
ب. المنطقة التي يرغب في مزاولة حرفته ضمنها، اوالدائرة التي يزاول حرفته في مجالها.
ج. موقع وعنوان المكتب اوالمحل الذي يُمارس عمله فيه.
2- إلصاق تصويره الشمسي على الطلب.
3-  إرفاق الوثائق والمستندات التالية بالطلب تأييداً لتوفر الشروط المنصوص عليها في مادة (3) من القانون:
ا. شهادة الجنسية العراقية بالنسبة الى العراقيين، وما يثبت رعويته لإحدى الدول العربية بالنسبة لرعايا تلك الدول.
ب. دفتر النفوس وفقا للتسجيل العام لسنة 1957 اوهوية الاحوال المدنية.
ج. شهادة عدم المحكومية تؤيد كونه غير محكوم عليه بجناية غير سياسية او جنحة مخلة بالشرف، واذا كان من المحكومين بمثل هذه الاحكام فتقديم ما يُثبت رد اعتباره اليه.
د. الشهادة الدراسية ان وجدت.
 اما المادة (2 ) فقد نصت اذا كان طالب الاجازة لا يحمل شهادة الدراسة الابتدائية على الاقل فعليه ان يجتاز بنجاح امتحانا تجريه محكمة البداءة التي قدّم اليها الطلب خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تقديمه وذلك لغرض التثبت من اتقانه الكتابة والقراءة بشكل يؤهله لممارسة حرفة كتابة العرائض.  فيما اوضحت المادة (3) تقوم المحكمة بتدقيق الطلب المقدم اليها، وبعد التاكد من توافر المعلومات والشروط المنصوص عليها في المادتين الاولى والثانية من هذه التعليمات توافق على منح الاجازة وتستوفي رسما قدره (1000) الف دينار يقيد ايراداً للخزينة، ثم يسجل اسم طالب الاجازة في السجل الخاص المنوه عنه في الفقرة (2) من مادة (4) من القانون على ان يزود بالهوية الخاصة المنصوص عليها في الفقرة (1) من مادة (5) من القانون.