TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عربي يسأل وعراقي يجيب

عربي يسأل وعراقي يجيب

نشر في: 4 مايو, 2016: 03:57 م

عندما عجز علماء الفيزياء الكونية عن تقديم تفسير مقنع للبدايات القصيّة لتشكّل الحياة فيما يحيطنا من مجرات وكواكب لجأوا لاختراع مصطلح الانفجار الكبير، أو ما يعرف بال"Big Bang". كذلك الحال بالنسبة لنا كمراقبين للتطورات المتسارعة التي شهدها العراق خلال الاسابيع القليلة الماضية. فما حدث لايشبه إلا الانفجار الكبير الذي شظى المشهد السياسي القديم، المتشكل بعد ٢٠٠٣، والذي أذِن بولادة مشهد او كون سياسي جديد سيؤرخ له بما قبل٣٠ نيسان وما بعده.
لا تفسير متاحاً بين يدي المراقب سوى استعارة ادوات الفيزياء الكونية، لتحليل الواقع العراقي المتقلب. لكن الفارق بين انفجار الكون الكبير انه حدث لمرة واحدة ويتيمة، بينما كوننا الصغير لايبدو انه سيكتفي بانفجار واحد.
واذا كان مشهدنا السياسي ينطوي على تعقيد منقطع النظير بالنسبة للكثير من العراقيين، فإنه أكثر وأشد تعقيدا وغموضاً للمراقبين العرب ممن التقيتهم مؤخرا في دبي وعمّان.
كيف تغيرت الاصطفافات السياسية وكيف تغيرت ثم انهارت بهذه السرعة لتشكل نوعا آخر من الاصطفافات التي بدورها لا تملك ارضية صلبة للاستمرار والمطاولة؟؟. هذه تساؤلاتي التي اطرحها على نفسي كعراقي يزعم انه منخرط في رصد وتحليل يومي لمجريات الاحداث، فتخيلوا كيف بامكان أحدنا توضيح ذلك لمراقب لا يعرف من العراق سوى تركة صدام وحماقات الاميركان؟!
الانفعال والعاطفة التي جرفت الكثيرين هذه الايام تجنح للأسف باتجاه التبسيط والابتسار في تعاطيها مع هكذا وضع معقد حد التشابك.
إلا أن المؤكد، وسط هذا العماء، ان حال البلاد لم يعد يحتمل تأجيل الاسئلة الكبرى، فالسخط والاستياء والانقسام الضارب في عمق البنى السوسيوسياسية، بات بحاجة لاجتراح حلول واقعية وعقلانية وليس راديكالية تهد المعبد على وبمن فيه.
وبما ان الحديث عن واقعة اقتحام البرلمان، التي كان بطلها ومصمم مشهدها زعيم التيار الصدري وانصاره وتبعه بعض المتحمسين لفكرة "شلع + قلع"، فلابد القول انه كان قراراً كارثياً لتيار سياسي مشارك في العملية السياسية وتولى اكثر من ١٥ وزارة اغلبها خدمي وذو مساس لصيق بحياة الناس، كالصحة والبلديات والعمل والشؤون الاجتماعية والاعمار والاسكان والموارد المائية وغيرها. ولم تك تجربة هذه الوزارات الصدرية شاذة عن قاعدة الفساد وسوء الادارة، واعتماد المحسوبيات، والاحتكار الحزبي لمؤسسات الدولة ومصالحها. للأسف هذه حقيقة يحاول قادة كتلة الاحرار القفز عليها والتنصل من مسؤوليتها، بل يرمي البعض منهم بوزرِها إما على الشركاء أو على رؤساء الحكومات. فكل المعطيات تشير الى ايمان هذه الكتلة بعصمتها وسوية ادائها، لكنها تختلف عن البقية بمرونتها في التخلي عن وزرائها. لكن ذلك لم يحسن من اداء الوزراء المستبدلين، وشاهدنا معايير اختيار الطاقم الوزاري في تشكيلة العبادي الاولى، كيف قدم الصدريون اشخاصاً لا يتناسبون مع مراكزهم الوظيفية.
لا أنوي تدبيج هجاء للكتلة الصدرية، لكنها مطالبة بمراجعة قاسية لادائها وللازدواجية التي تعاني منها. فما دمت منخرطاً في لعبة المحاصصة او الشراكة، سمّها ما شئت، فأنت تتحمل مسؤولية تضامنية لا يمكنك التنصل من تبعاتها.
سنحت للكتلة الصدرية فرص مواتية لتشكيل نواة معارضة فاعلة في اطار اللعبة الديمقراطية، كان آخرها الاعتصام البرلماني الذي كان يحمل افقاً تصحيحاً للعملية السياسية برمتها. لكن قرار الصدر المفاجئ بسحب نوابه أدى الى قصم ظهر اعتصام جمع الضدين، المالكي وعلاوي ونواب انسلخوا من كتلهم لدواعٍ شتى، ومن ثم عاد الصدر ليقصم ظهر البرلمان باقتحام انصاره لبيت الشرعية. فمن أراد اصلاح النظام وترميمه، تسبب بهدّ أحد اعمدته، بل عموده الأهم والأخطر.
ما يؤاخذ على الصدر انه اقدم على تصعيده  من دون تقديم بديل عملي وواقعي، لاسيما انه بات يواجه رفض الكرد والسنّة من جهة قبل رفض الاطراف الشيعية. فقد أدى خطاب الصدر الى توحيد الاطراف السياسية المختلفة لأن حراكه الاخير كان موجها لخصومه التقليديين، وقام بفرض اجندته على حلفائه كالمجلس الاعلى وغيرهم، وبذلك اصبح في مواجهة الجميع بعد ان قرر حرق المراكب ونسف الجسور.
لكن في الوقت ذاته، فان التيار الصدري لايتحمل مسؤولية ذلك لوحده، فهناك كتل دفعته اما بالتشجيع او بالاستدراج للذهاب نحو المجهول الذي يلف العملية السياسية الآن.
الفوضى الراهنة يتحمل جزءا كبيراً من مسؤوليتها القوى التي ضاقت ذرعاً بغضب طيف واسع من البرلمانيين ممن رفضوا احتكار قادة الكتل للقرار، وتفصيل التسويات على مقاساتهم الخاصة بعيدا عن مصير البلد ومصالحه العليا.
فبعد اعتصام البرلمان حمّلنا المسؤولية لرئيسه سليم الجبوري، لانه لجأ لاستخدام الk9 بدلاً عن اللجوء للقضاء، والآن وبعد اقتحام الخضراء فالمسؤولية باتت مشتركة بين الجبوري و ورئيس الوزراء حيدر العبادي، وآن آوان استبدالهما لتصفير الازمة الخانقة، والبدء بكتابة قواعد جديدة تمنع تكرار اي انفجار جديد في كوننا العراقي المتداعي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram