يبدو لي ان الممثلين الكوميديين في مختلف البلاد يتحولون الى شخصيات نمطية حيث يكررون التقنيات التي يستخدمونها في تمثيلهم لغرض اضحاك الجمهور. ويحدث مثل ذلك التكرار حتى وان اختلفت مضامين واشكال المسرحيات او الافلام التي يشاركون فيها ولأذكر هنا الممثل الانكليزي العبقري (شارلي شابلن) في افلامه الصامتة وكذلك (لوريل وهاردي) من الماضي. ومن الماضي القريب اذكر المصري (اسماعيل ياسين) والمصرية (ماري منيب) ومن العراق اذكر (ماجد ياسين) و(أمل طه) و(جاسم شرف) واخيراً وليس آخراً الاميركي (جيم كيري) تراهم كلهم يستنسخون شخصية واحدة في جميع الاعمال التي يشاركون بها. فلماذا؟ بالتأكيد فان طبيعة هذه المسرحية الكوميدية او هذا الفيلم السينمائي الكوميدي واحداثه وشخصياته تختلف بدرجة او اخرى عن المسرحية الاخرى او الفيلم الآخر بمعنى انها ليست نسخاً لعمل واحد، ومع ذلك نرى الممثل الرئيس فيها يستنسخ تقنياته وذلك لاعتقاده بانه بدون مثل هذا الاستنساخ سوف يفقد جمهوره لانه بالشكل الذي يقدم دوره يكون مضحكاً ومحبوباً من قبل الجمهور.
قد يكون سبب مثل ذلك الاستنساخ يرجع الى ان شخصيات المسرحيات الكوميدية هي نماذج لفئات كبيرة من الناس يتشابه افرادها في صفاتهم وفي سلوكهم، ففي مسرحية مثل (البخيل) لمولير فان شخصية البخيل نفسه (هرباغون) يمثل صنف البخلاء في كل زمان ومكان. وشخصية (طرطوق) في مسرحية مولير ، يمثل جميع الدجالين اولئك الذين يتجلببون بجلباب الدين من اجل تنفيذ نوايا سيئة. ولكن الا يمكن ان تكون هناك اختلافات ولو صغيرة او بسيطة بين هذا الدجال او ذاك وهذا البخيل او ذاك؟
ثم ألا يكون استنساخ الاداء وتكرار التقنيات نفسها مدعاة للملل؟ والانسان يجب التجديد على الدوام. ثم ألا يدل التكرار والاستنساخ لدى هذا الممثل او ذاك على الشحة في مخيلته وعلى القصور بامكاناته في الابتكار والتجديد والتنوع؟ وهنا لا بد لي من ان اعرج على (الكوميدي دي لارنا) الايطالية وشخصياتها النمطية واداء الممثلين في تشخيص الشخصيات وتمثيلها.
تميزت عروض (الكوميديا دي لارنا) بعدد من الملامح ابرزها:
1) وضع سيناريو اولي للعرض المسرحي يكمله الممثلون بارتجال الاحداث التفصيلية والحوار، 2) تقسم شخصيات المسرحيات الى سادة وخدم، والسادة ثلاثة انماط تتكرر في جميع العروض وهم (الكابيتافو) وهو الضابط الشاب العاشق والاعتيادي بملابسه وسلوكه، و(الباغتالونا) وهو التاجر العجوز والذي يتكلم باللهجة الفينيسية والمعجب بالامثال والحكم ويتظاهر على الدوام بانه شاب ويرتدي لباساً خاصاً، و(الدولورا) وهو اما ان يكون دكتوراً بالقانون او بالطب، وهو ايضاً الصديق للبانتالونا ويتكلم باللهجة البولونيزية ويمزجها بكلمات وعبارات لاتينية وغالباً ما يتظاهر بالمعرفة والعلم. اما الخدم فيمثلهم (ارلكينو) الذي يجمع في سلوكه الغباء والبراعة وفي الغالب يكون شاباً يجيد الرقص والالعاب البهلوانية وله لباسه الخاص وقناعه النصفي الخاص. 3) غالباً ما تكون احداث المسرحية مأخذوة من الحياة اليومية وملاحقة النساء والصراع السطحي بين الشخصيات الرئيسه حول استمالة امرأة او فتاة معينة.
ومن الجدير بالذكر أن بعض فرق الكوميديا دي لارنا وبعد ان استنفدته موضوعات مسرحياته وبعد ان اصاب الممثلين الملل من تكرار تقنياتهم وتمثيل شخصياتهم النمطية اضطرت إلى اللجوء الى مؤلفي الدراما وفي مقدمتهم (كارلو كوتزي) لأن يؤلفوا لهم نصوصاً مسرحية لتحل محل الارتجال، نعم سينفر الجمهور من الممثلين الكوميديين الذي يكررون او يستنسخون تقنيات ادائهم بعد مرور مدة زمنية معينة ويصبح التكرار والاستنساخ مملاً ومقرفاً احياناً واكبر دليل على ذلك ان الممثل الكوميدي المصري (عادل امام) الذي كان مسراً وجذاباً في المسرحيات الأولى التي شارك فيها ومنها (شاهد ما شافش حاجه) و(مدرسة المشاغبين) واصبح اليوم وخصوصاً في المسلسلات التلفزيونية، ممجوجاً ومنفراً احيانا، لا الوم الممثلين الكوميديين على نمطية ادائهم ولكن الافضل لهم ان ينّوعوا.
التنوع واللاتنوع في التمثيل
[post-views]
نشر في: 9 مايو, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...