اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > مخاطره متنوعة.. ضرب الأطفال عقوبة أم تربية؟

مخاطره متنوعة.. ضرب الأطفال عقوبة أم تربية؟

نشر في: 15 مايو, 2016: 12:01 ص

يبيع قناني الماء في إحدى نقاط التفتيش وتحديداً في سيطرة متنزه الزوراء كما تُسمى أمنياً، منظره يُثير الشفقة ويعتصر القلب، يقف فجأة ليرى الأطفال وهم يعبرون للذهاب الى مدرسة الموسيقى والبالية ويترك ما يحمل بيده من قناني الماء على حافة الرصيف ويبدأ يُتمت

يبيع قناني الماء في إحدى نقاط التفتيش وتحديداً في سيطرة متنزه الزوراء كما تُسمى أمنياً، منظره يُثير الشفقة ويعتصر القلب، يقف فجأة ليرى الأطفال وهم يعبرون للذهاب الى مدرسة الموسيقى والبالية ويترك ما يحمل بيده من قناني الماء على حافة الرصيف ويبدأ يُتمتم بكلمات لا يفهمها إلا هو! يونس الطفل البالغ من العمر سبعة أو ثمانية اعوام  ناحل الجسم الصغير بشرته صفراء ملابسه رثّة، حين سألته أما لا تريد الذهاب الى المدرسة؟ أجاب: أريد ذلك لكني افتقد عائلتي ولا أعلم أين؟ وأشار باصبعه الصغير الى شاب يتجول بين السيارات المزدحمة في السيطرة الأمنية  يبيع كارت الموبايل والسكائر، وجده في احد الشوارع بعد ان هرب من عائلته بسبب ضربه المتكرر من أبيه.  تركنا يونس يختلس بنظراته الطفولية الى اطفال المدارس وهو لا يعي او يفهم ماذا فعل بنفسه نتيجة هروبه من كنف عائلته؟

لا فرق بين غني وفقير
قصة يونس التي يمكن اعتباره شخصاً ينحدر من عائلة فقيرة ويعيش في بيت جدرانه صُفَّت من الصفيح المعدني في أي تجاوز سكاني يملأ العاصمة بغداد، يقابلها قصة الطفل عبدالله الذي يعيش في احد البيوت الراقية وعائلة ذات مستوى مادي جيد وطلباته مستجابة تعرّض الى الضرب البسيط وليس المُبرح نتيجة تصرف غير لائق قام به. اجابته كانت على ذلك لعائلته (سوف أهرب من البيت وانتظروا ذلك)!
 ضرب وهروب الأطفال من البيت دون علمهم بالمخاطر، ودخولهم عالم السرقة او التسول وجعلهم  مصيدة للعصابات الاجرامية وتعرضهم الى الاغتصاب أسباب يتحمّلها الأهل!  العقوبة والتربية والبيئة ايضا وحسب ما قالت الاختصاصية الاجتماعية  د. نور القيسي لـ(المدى) إن ضرب الاطفال من العادات السيئة جدا وتترك اثراً سلبياً عليهم، مضيفة: ان التربية ليست بالضرب والعقوبة. مشيرة: الى اساليب كثيرة يمكن ان تُطبق على شخصية الطفل وحسب عمره والمرحلة الزمنية ايضا.

صيد لعصابات الجريمة
واسترسلت القيسي في حديثها: الوقت السابق ليس كالحاضر وما تربى عليه الآباء والامهات يختلف جذرياً عن ما يتربى عليه الأولاد في الظروف الحالية. موضحة: ان العنف العائلي الذي يُعامل به بعض الاطفال في عوائلهم يجب الابتعاد عنه جذرياً لأنه سببٌ في تفكير الطفل بالهروب والابتعاد عن كنف والديه وعائلته وبالتالي يكون صيدا سهلا لعصابات الجريمة!
وتابعت الاختصاصية الاجتماعية: يجب على العوائل ارشاد اطفالهم وتصحيح اخطائهم لا محاسبتهم على كل خطأ صغير كان او كبير، مشيرة: الى التغيّرات والتطورات والضغوطات المجتمعية والانفتاح على عالم التكنولوجيا ومغريات أصدقاء السوء التي قد تكون سببا في تمرد الطفل في حال استمرار معاملته بالضرب. مبينة: ان التربية الأسرية ليست كالسابق بكل جوانبها ولو أردنا مناقشة بعض الآباء ومَن يقول إن ضرب الاطفال لا خطر فيه فهذا خطأ، منوِّهة: الى ان بعض الآباء يقومون بمعاقبة اطفالهم بعنف وقسوة مثل التعليق بالمروحة الكهربائية او الضرب بالعصا، ومنهم من يقوم بضرب ابنه بسلك كهربائي لرسبوبه في الامتحان .

 صحة الطفل وتنميته
الدكتور بهجت عبد الرضا السعيدي طبيب اختصاصي طب مجتمع قال لـ(المدى) عن ظاهرة ضرب الاطفال وهروبهم: إن العنف حسب تعريف منظمة الصحة العالمية هو الاستخدام القصدي أو العمدي للقوة أو السلطة أو التهديد بذلك  ضد الذات أو ضد شخص آخر أو عدد من الأشخاص أو المجتمع بأكمله، وقد يترتب على ذلك أذى أو موتاً أو إصابة نفسية أو اضطراباً في النمو أو حرماناً،منوِّها: انه يتضمن إساءة معاملة الطفل، التي يُشار إليها أحياناً إيذاء الأطفال وإهمالهم. مضيفاً: جميع أشكال سوء المعاملة الجسدية والعاطفية، والاعتداء الجنسي، والإهمال، والاستغلال الذي يؤدي إلى ضرر فعلي أو محتمل لصحة الطفل والتنمية أو الكرامة. واضاف السعيدي: ضمن هذا التعريف الواسع، هناك خمسة أنواع فرعية يمكن تمييزها: الاعتداء الجسدي، العنف الجنسي، الإهمال والمعاملة المنطوية على إهمال، سوء المعاملة العاطفية، والاستغلال. مشدداً: ان الأمر يأخذ منحى أكثر خطورة حين يكون مصدر العنف من القائمين على رعاية الطفل أو المسؤولين عنه.

 أسباب العنف ضد الأطفال
وعن ماهية اسباب العنف ضد الاطفال ولماذا اخذت تزداد في الآونة الاخيرة بيّن اختصاص طب المجمتع: هناك  أسباب اقتصادية، مثل الظروف المعيشية الصعبة ، وتزايد معدلات الفقر والبطالة .وأسباب اجتماعية  مثل التفكك الأسري، الخلافات الزوجية، كبر حجم الأسرة وإدمان المخدرات مما يؤدي إلى تشرد وضياع الأطفال، متابعاً: ومن الاسباب الاخرى  المفاهيم الخاطئة حول أساليب التنشئة التي تقوم على افتراض أن "التنشئة الصالحة" تقتضي استخدام العقاب الجسدي أو اللفظي، إلى جانب غياب الوعي بأساليب التنشئة السليمة. لافتاً: الى قصور التشريعات المعنية بحماية الطفولة على كافة المستويات، عدم تفعيل القوانين، وغياب إلزامية التبليغ كما ان النتائج المترتبة على سوء المعاملة سوء معاملة الأطفال يسبب المعاناة للأطفال والأسر، ويمكن أن تكون لها عواقب على المدى الطويل.

العنف وإدمان المخدرات
وبيّن د. السعيدي: ان سوء المعاملة يسبب الضغط الذي يترافق مع اضطراب في نمو المخ في وقت مبكر. مشدداً: ان الضغط الشديد يمكن أن يؤثر سلبا على تطور الجهاز العصبي وجهاز المناعة. مؤكدا: أن الأطفال المعرضين لسوء المعاملة معرضون لمشاكل الصحة السلوكية والجسدية والعقلية مثل ارتكاب العنف أو الوقوع ضحية للعنف، الكآبة، التدخين، السمنة المفرطة، سلوكيات جنسية عالية المخاطر، الكحول وإساءة استعمال العقاقير والأدوية (بما فيها المخدرات).
واضاف اختصاص طب المجمتع: قد يدفع العنف الأسري بالطفل في نهاية الأمر الى ترك البيت والتجوال في الشوارع بشكل مؤقت أو دائمي، معللا سبب ذلك شعور الطفل ان البيت ليس مكاناً  آمناً ومريحاً يشعره  بالدفء الأسري والسعادة التي يحتاجها للنمو السليم جسديا ونفسيا. وبشأن العنف ضد الاطفال في العراق ذكر: من المتوقع تزايد هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة بسبب طبيعة العنف الذي يشهده البلد وضعف الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وغيرها من العوامل والنواحي غير المستقرة. وبالتالي فمن الضروري التصدي لهذه الظاهرة وتسخير الإمكانيات المتوفرة لها لأن أطفال اليوم هم جيل الغــد وقادة المستقبل.

 ضرب الطفل ليس جريمة!
الباحث التربوي بهاء الموسوي اشار لـ(المدى): أن ضرب الاطفال من قبل عوائلهم ليس جريمة ولا يحاسب عليه القانون. مستدركا: لكن اذا اشتدت العقوبة على الطفل وتركت أذى على جسده هنا لابد من إيقاف الاهل. لافتاً: الى ان هذا التعامل سيدفع الطفل الى الهروب والابتعاد عن عائلته والانخراط مع اولاد الشوارع واصدقاء السوء وما اكثرهم. مستطرداً: لو تكلمنا بصراحة عن الاطفال لا يمكن ضربهم والتعامل معهم بقسوة فالوضع الأمني والتفكك الأسري وغياب رب الاسرة يجعل من الصعوبة السيطرة على الاطفال وخصوصا في المراحل العمرية الاولية والتي تبدأ من البيت والمدرسة.
الضرب المُبرح وتأديب الأطفال
بينما علق ابراهيم عبد الرحمن ويعمل موظفاً: الطفل لابد من محاسبته ومعاقبته على ما يقوم به من أخطاء واذا تركته يتصرف حسب ما يرغب سوف نفقد السيطرة عليه. متابعاً: عوائلنا جميعها كانت تقوم بتاديبنا ان أخطئنا ولم نتركها ونهرب. مردفاً: اذا لم يحاسب سوف يتمادى في خطئه ولا يحترم عائلته وعندما يكبر سيعلم ويتعلم لماذا كانت العائلة تحاسبه على اخطائه؟
اما هند حسين ربة بيت قالت: السيطرة على الاطفال اختلفت كثيرا فلكل زمان وقته وحتى الاولاد يختلفون بينهم، مشيرة: هناك الطفل المشاكس والعنود الذي يركب رأسه وآخر هادئ ومطيع لأوامر والديه. موضحة: ان كل واحد يحاسب حسب خطئه. مستدركة: لكن الضرب المُبرح ليس وسيله لترويض الاطفال بالعكس يجعلهم يتصرفون أضعافاً من العناد وبالمقابل تزداد قسوة قلوبهم على والديهم ويتمردون اكثر والحل الأوسط هو الأفضل في التعامل .

أضرار ضرب الأطفال
لكل شيء اضرار وفوائد وعن اضرار ضرب الطفل وتعنيفه يقول الاختصاصي النفسي د. جودة العزاوي: إن ضرب الطفل يشعره بعدم الانتماء للأسرة الامر الذي يدفعه للهرب. مبيناً: ان ضرب الطفل يجعله أكثر عرضة للانحراف وصيدا سهلا لتبنى سلوكيات خاطئة. موضحاً: كما يدفعه الى استخدام العنف ضد الاطفال الآخرين خاصة من هم اصغر منه.  
وأكدت العزاوي: ان العنف تجاه الطفل وتكرار ضربه سيكون سببا في ضعف مستواه الدراسي وانعدام قدرته على التركيز والمتابعة اليومية لدروسه وواجباته المدرسية في التواصل مع أقرانه فى المدرسة او الشارع. مشيراً: الى شخصية الطفل الذي يتعرض للضرب تصبح غير متزنة عاطفيا ونفسيا، كما سيعاني من نوبات اكتئاب أو نوبات بكاء، أو نوبات انفعالية شديدة احياناً لا يسيطر عليها. مشدداً: انه يصبح عنيداً، متهوراً، مؤذياً، يبحث عن المشاكل واحياناً يختلقها. مضيفا: ونتيجة شعوره بالغربة وغياب الأمان يكون أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية المتعددة.

الألف دينار و(صوندة) الأم
فيما تقول  عذراء احمد موظفة: تختلف معاملة الطفل حسب ثقاقة الأهل والبيئة وطريقة التعامل وحتى الكلام فليس مَن يعيش في دلال كما مَن يعيش محروماً من ابسط ما يرغب به كطفل فهناك حساب للطفل بسبب الألف دينار. مبينة: ان جارة لهم تقوم بضرب ابنها (بصوندة بلاستيكية) لأنه يطلب منها الف دينار كمصرف يومي. موضحة: ان الأمر يتكرر كلما طلب ذلك الطفل المبلغ واحياناً امام الناس. مستدركة: لكن لا يستطيع احد ان يتدخل ويوقف هذه الام عن تصرفها السيء. مضيفة: مثل هذه الامور توثر على نفسية الطفل وتعايشه في البيت والمجتمع والهروب من البيت الذي لا يستطيع توفير هكذا مبلغ له.

الغاية من ضرب الأطفال
رئيسة منظمة شمس الشموس للايتام والأرامل نسرين العزاوي ذكرت لـ(المدى): العنف ضد الاطفال من قبل الأهل اذا كان جسدياً او لفظياً وحتى التهديد سيترك أثره السلبي على الطفل وربما يتسبب له بامراض نفسية.  موضحة: ان جميع اشكال العنف الأسري لها هدف واحد تحقيق السيطرة على الطفل احياناً تكون من اجل الحفاظ عليه وأخرى بسبب وضع العائلة.
وبيّنت العزاوي: ان التفكك الاسري له  تأثير سلبي على الاطفال، اذ يتسبب بعدم توفير الرعاية اللازمة للاطفال في أُسرة طبيعية. مشيرة: الى الطلاق بشكل خاص وهو حرمان الاطفال من احد الأبوين. منوّهة: ان هذا الامر يترك اثاراً عميقة في نفسية الطفل قد يؤدي الى صراع او انحراف وتشرُّد . داعية الى ضرورة التوعية ونشر ثقافة عدم استخدم العنف من العوائل والمدارس ضد الاطفال.

معاقبة الأطفال
اما فيصل عبد المعين فقد تطرق الى حالة اخرى من حالات العنف ضد الاطفال وضرب أهلهم مبينا: تعرض اطفال خلال لأكثر من حالة ضرب او تجاوز من قبل اطفال آخرين اذا كانوا في المنطقة او المدرسة. مضيفا: في كل حادثة احاول ان اصل الى اهل الاطفال واشكو لهم الحالة كي يكونوا على علم بما يفعله ابناؤهم من تصرفات وكي لا يرتكبوا هذه التجاوزات مع اطفال آخرين وهذا الأهم عندي وحتى لا تتكرر حالات الضرب مرة أخرى لكنهم يتعاملون مع أطفالهم بالضرب والعقاب..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram