لم يتنبّه المتظاهرون منذ شباط ٢٠١١ إلى أنّ شعاراتهم حول الإصلاح ظلّت تدور حول نفسها من دون أن يتحقّق واحد منها ، حتى ولو كان يتعلّق بردم بالوعة قتلت آدميّاً بالصدفة. ونقطة ضعف الحركة الاحتجاجيّة منذ بدايتها أنّها لم تحاول مراجعة شعاراتها وتقييم فعالية كلّ منها وتحديد الجهة المسؤولة عن كل شعارٍ ومطلب، ومَنِ هو المتلكّئ ولماذا ومَنْ يقف وراء تسويف المطالب بشكل عام؟
كما ظلّت الحركة الاحتجاجيّة تدور حول ذات الشعارات والمطالب، ولم تعمد لإعادة النظر في أولويات المطالب، وتحديدها على أساس مفكّات الإصلاح وإمكانية تحقيق أيٍّ من المطالب ومدى ارتباط الأولويّات بمصالح الناس الحيويّة والمُلحّة .
لكنَّ الأهمّ من كلّ ذلك، هو تشخيص المفتاح الرئيسي الذي من دونه يستحيل فكّ شفرة الإصلاح وفتح أبوابه الموصدة .
ومن كبائر ما يعانيه العراق منذ الإطاحة بنظام البعث، إخفاق النظام الجديد في إصلاح القضاء وتطهيره. ولم تحاول الحركة الاحتجاجيّة المطالِبة بإسقاط قرارٍ برلمانيّ خطير إعادة الاعتبار لعشرات القضاة مِمّن ثبت عليهم بالدليل القاطع التورّط بالفساد والرِّشى وانعدام الثقافة المهنيّة وحسّ العدالة من قبل لجنة شُكّلت لهذا الغرض، وجرى طردهم من الجهاز القضائي استناداً الى تقرير اللجنة المدعم بالوثائق والأسانيد، واستطاع النائب السابق بهاء الأعرجي إعادتهم إلى القضاء بقرار برلمانيّ، وكان على مجلس القضاء الأعلى وهو الجهة المعنيّة بتطهير القضاء ، أنْ يتوقّف عند القرار ويسعى لفحصه وحيثيات القرار البرلمانيّ ومدى خدمته لهدف إعلاء شأن السلطة القضائيّة وسويّتها المهنيّة وانسجامها مع هدف تكريس عدالة انتقالية تُسهم في بناء عراق جديد .
الحراك المدنيّ مطالب بفتح هذا الملفّ الخطير، والتأكيد على تشكيل لجنة محايدة نزيهة من خارج المحاصصة الطائفية وامتداداتها في الجهاز القضائيّ، لفحص وتدقيق ملفّات منتسبي القضاء وسِيَرهم الذاتية وسويّتهم المهنيّة وانحيازاتهم الطائفيّة ومدى تبعيّتهم واستقوائهم بمنظّماتٍ أو ميليشيّات مسلّحة خارج الدولة، إذ لا يمكن لقضاءٍ مُنقسم إلى مثل هذه الولاءات أن يكون نزيهاً وعادلاً ومُعتدّاً بسلطته في مواجهة الفساد وضياع العدالة.
إنَّ إصلاح الدولة وتطهير أجهزتها لا سبيل إلى تحقيقه من دون أنْ يتلازم مع إصلاحٍ فوريٍّ للسلطة القضائيّة ، وربّما يكون التعرّض للقضاء الأولويّة الأُولى لتجفيف مصادر الفساد والإرهاب وضياع العدالة .
هل يمكن إصلاح دولة فاسدة من دون تطهير القضاء..؟
[post-views]
نشر في: 16 مايو, 2016: 06:43 م