شعارات عديدة تُطرح بين فترة وأخرى، يبدو من الوهلة الأولى أنها مجرّد خواطر تسللت على "عواهنها" من دون دراسة أو تمحيصٍ. والكثير من هذه الشعارات رفعها المتظاهرون في ساحة التحرير وسواها في المحافظات. ولا غرابة في رفع مثل هذه الشعارات في تظاهرات مطلبية تعكس أزمات لم تتوفر لها الحلول، يجري التنفيس فيها بالتشدّد حدّ التطرّف أحياناً. لكنّ الأمر يختلف حين تُطلق مثل هذه الشعارات من قيادات الأحزاب والكتل المشاركة في الحكم أو ناشطين في قيادة الحراك المدني.
وبين الشعارات الملتبسة، الدعوة الى النظام الرئاسيّ في عراقٍ متعدد القوميات والطوائف والأعراق والديانات.. عراقٍ منقسم أفقياً وعمودياً، ونسيج المجتمع فيه مزّقته الصراعات على الهويات الفرعية ورفض الآخر وإقصاؤه. وكان مفهوماً رفع هذا الشعار من قبل أنصار السيد نوري المالكي بالتزامن مع رفض ولايته الثالثة، وبعد تنحيته عن موقعه كنائبٍ لرئيس الجمهورية، وكذلك ارتباطاً بمشروع القرار البرلمانيّ بتحديد ولاية الرئاسات الثلاث بدورتين، وتفاقم أزمة الحكم وفشل حِزَم الإصلاح الحكومي.
لكنْ من غير المفهوم أن لا يتصدّى له أصحاب الخبرة والدراية بطبيعة أنظمة الحكم وبيئة تطبيقها وعلاقتها بالديمقراطية والمستوى المطلوب للتطور والتقدم الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسياسيّ والبنى التشريعية والقانونية والفصل بين السلطات، فالنظام الرئاسيّ يتعارض كليّاً مع دولة غير متجانسة سكانيّاً، تتجاذبها المكوّنات والقوميات والأعراق، وتسودها أغلبية سكانية راجحة لمكوّنٍ بعينه، قومية كانت أو طائفة أو ديناً أو عِرقاً.
وقد يُقال إنَّ العديد من الدول المتطورة في العالم، ومنها الولايات المتحدة وفرنسا، النظام فيها رئاسيّ ومكوّناتها وأعراقها وأديانها وطوائفها شديدة التباين والاختلاف والتنوّع !
ذلك صحيح. والنظام الرئاسيّ في مثل تلك الدول خيارٌ شعبيّ. لكنَّ الفرق الجوهريّ بينها وبين بلدٍ مُغَرقٍ في التخلّف والانقسام والانشداد الى قيم الجاهلية الأولى قاطعٌ يكفي لاعتبار مثل هذا النظام ليس سوى وسيلة لتسلّط أغلبية سكانية على سواها، وفي ظروف العراق إنما هو أداة تكريس دكتاتورية من نوع عالم ثالثيّ !
النظام الرئاسيّ سيكون ملائماً حين تُصبح المواطنة الحرّة الأساس لدولة مدنيّة متطوّرة ديمقراطيّة.
حين يتفوّق الوعي بالمصالح الوطنية العليا على كلّ اعتبارٍ آخر.