مع ارتفاع درجات الحرارة، واحتمال وصولها الى خمسين درجة على مقياس سوء الأداء الحكومي ، تحول انعدام توفير الطاقة الكهربائية في القاموس العراقي الى وباء خطير فاصطف مع الأرملة السوداء في إثارة قلق ومخاوف الباحثين عن الرحمة في نظام القطع المبرمج، الحكومات المتعاقبة انفقت مليارات الدولارات لإنشاء محطات توليد جديدة ، استعانت بالجارة العزيزة ايران في تغذية خطوط المحافظات الجنوبية ، ابرمت عقودا مع شركات عالمية لمعالجة مشكلة نقص الطاقة ، كل هذه الخطوات وغيرها باءت بالفشل ، مع حلول فصل الصيف تتجدد المشكلة لتفرض حضورها في الحياة العراقية مع ازمات سياسية مستعصية ، تنذر بعواقب وخيمة .
في تموز الماضي – وشهر تموز معروف في التاريخ العراقي الحديث بأنه شهر الثورات والانقلابات العسكرية - اندلعت في بغداد والمحافظات تظاهرات احتجاجية تطالب بتوفير الخدمات الاساسية في مقدمتها الطاقة الكهربائية ، الجهات الرسمية انشغلت بتنظيرات فنية تشرح قدرات محطات التوليد ، وتدمير خطوط النقل في المناطق الساخنة أمنياً، مع دعوات لاعتماد الترشيد. جميع وزراء الكهرباء بدءاً من أيهم السامرائي حتى قاسم الفهداوي مع المسؤول الاول عن ملف الطاقة في العراق حسين الشهرستاني صاحب نظرية تصدير الكهرباء العراقية الى الخارج ، تجاهلوا الحديث عن حجم المبالغ المخصصة من موازنة الدولة لقطاع الكهرباء ، يقال ان الاموال تبددت بإبرام عقود وهمية لصالح اشخاص وجهات ، عجزت الأجهزة الرقابية عن استردادها ، فيما اعلنت الحكومة في اكثر من مناسبة انها ستبذل كل الجهود المتاحة في ظل الأزمة المالية لتوفير الطاقة بمساعدة الدول المانحة ، من دون تحديد سقف زمني لتحقيق هذا الانجاز التاريخي ، وإلغاء نظام القطع المبرمج بوصفه من مخلفات النظام السابق .
الإشادة بالمنجزات التاريخية ، قبل عشرات السنين أخذت الحيز الاكبر من اهتمام وسائل الإعلام. التلفزيون الرسمي وقتذاك كان يعيد بث أغنية "شهرين باسبوع انتهت بيها العقول احتارت" في اشارة الى انشاء مشروع الدواية في محافظة ذي قار، عجزت شركات عالمية عن تنفيذ مشروع مماثل له، فاحتارت العقول الجبارة امام انشاء " قنطرة " مخصصة لعبور الاشخاص وحيواناتهم ، وسيارة مدير الناحية والمسؤول الحزبي .
وزارة الكهرباء ، الجهة المسؤولة عن توفير الطاقة، استعادت اسلوب التغني بالإنجازات فقللت من اهمية اندلاع التظاهرات الاحتجاجية المطالبة بتوفير الطاقة ، مشددة في الوقت نفسه على انها استطاعت ان تقلل من ساعات القطع المبرمج ، احبطت مخططات اصحاب المولدات الاهلية في استنزاف الموارد المالية للخاضعين لسلطة "ابوالمولدة" ، لكنها حملت وزارة النفط مسؤولية تأخير تزويد محطاتها بالوقود لتعمل بكامل طاقاتها ، الاتهامات المتبادلة بين المسؤولين في الوزارتين تخضع هي الاخرى لتأثيرات ارتفاع درجات الحرارة ، فتتحول الكهرباء الى وباء مرعب لا يتوفر له لقاح في الوقت الحاضر ، الا بتنظيم المزيد من التظاهرات الاحتجاجية او بتناول الحبة السوداء فهي دواء لكل داء ووباء .