حصلَ ما كان يُثير القلق والمخاوف من تطور التجاذب عبر أساليب ليّ الأذرع وفرض الإرادات حول مفهوم الإصلاح وآليات تطبيقه، والموقف المراوغ للسلطة السياسية من مشروع الإصلاح وتخبّطها في طرح صيغ مبهمة لحكومة لم يفهم الناس من مضامينها ودورها ما يستجيب لتطلعها الحقيقي وفهمها للإصلاح. وما أثار المزيد من القلق الانحراف عن السبل الكفيلة بتحقيق المطالب الشعبية التي لم تنقطع منذ سنوات لوضع حدٍّ للانحدار السياسي والاقتصادي والأمني واستشراء الفساد وتفاقم العمليات الإرهابية المميتة ، بدلاً من تحقيق أي تقدمٍ على صعيد تحسين الخدمات والحياة المعيشية والاستقرار الأمني والتضييق على المفسدين.
كان واضحاً لمن يريد أن يفهم، لكي يحول دون تطور التجاذب الى مستوى الصدام بين المتظاهرين والقوات الأمنية، أنّ الاحتقان السياسي والصراع الخفي على السلطة داخل الكتلة البرلمانية الحاكمة "الشيعية" وبين أطرافها يتطلب حسماً باتجاه اتخاذ تدابير عملية عاجلة لوقف التدهور والشروع بخطوات ملموسة تشيع الاطمئنان والثقة في نفوس المواطنين من أنَّ ما تعلنه الحكومة ورئيسها حول حُزم الإصلاح، حقيقي وليس التفافاً وتخديراً وإجهاضاً للإصلاح المطلوب، وأنّ مرور سنة ونصف على تشكيل حكومة العبادي كان كافياً لوضع قاعدة متينة لعملية إصلاحٍ متدرجٍ يفضي الى إشاعة مناخٍ إيجابي بين صفوف المواطنين الذين هدّهم الفساد والتسويف وضعف الإرادة السياسية .
إنّ التلكؤ والتردد وعدم الوضوح في نهج الحكومة، وما قابله من محاولة اعتماد أساليب خارج السياقات الديمقراطية، رغم تشوّهاتها، وفرض إرادة سياسية من طرفٍ واحد، كان من شأنه تصعيد الصراع بين الفرقاء المعنيين بتقاسم السلطة وتخندق كلّ طرفٍ للدفاع عن مواقعه بكل ما في حوزته من وسائل مواجهة بما في ذلك استخدام السلاح. والتنابز بالمفاهيم والوسائل المتناقضة للإصلاح والتغيير لم تغيّب عن وعي المواطنين المطالبين بالإصلاح الحقيقي أنّ ذلك كله ليس سوى ذرّ الرماد ومحاولة لإجهاض ما يُراد من إصلاحٍ حقيقي يتطلع لإنجازه العراقيون الملوّعون بصراعات أصحاب الحول والنفوذ والقوة في حكم البلاد المأسورة.
إنَّ استخدام السلاح بوجه المواطنين خصوصاً إذا كانوا متظاهرين سلميين، ليس دليل قوّة السلطة ولا عافيتها بل انعكاسٌ لضعفها وعجزها عن معالجة الأزمة المتفاقمة التي تشهدها البلاد.
ولم يبقَ أمام فريق السلطة ورئيس حكومتها غير مكاشفة الشعب بما ستطرحه عاجلاً للحلّ لوضع حدٍ لإراقة المزيد من دم العراقيين ووقف معاناتهم، أو الرحيل غير مأسوف عليها..