TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العلامة الفارقة : مُندسٌّ

العلامة الفارقة : مُندسٌّ

نشر في: 22 مايو, 2016: 09:01 م

حذارِ من المندسين المتصيدين بالماء العكر أعداء الدولة، عبارة كتبت بكل  لغات العالم ، ربما يعود تاريخ  استخدامها الى  عصور قديمة اثناء اندلاع  ثورات الجياع ضد  الطبقة الحاكمة وكهنة  معابد الآلهة ، حين  يضطر الجائع الى التهام  تمثال الإله المصنوع من التمر الزهدي  ، فيضع في  حسبانه انه ارتكب إثما يعد من الكبائر لتجاوزه على المقدسات ، ليس من المستبعد ان يتعرض الى عقوبة  ليكون عبرة لمن  يحاول تكرار الفعل الشائن .
 الاجهزة الامنية في العصور القديمة كانت مزودة بفؤوس وسيوف ، وسياط  ما ان تتلقى الاوامر  من صاحب القرار حتى تشن حملة دهم واسعة تستهدف من  اقدم على ارتكاب حماقة  ضد الآلهة ، او الطبقة الحاكمة ، فتقود المذنبين من كلا الجنسين الى ساحة عامة وسط المدينة ثم تبدأ  حفلة العقاب الجماعي بحضور الجمهور وبمباركة الكهنة  المكلفين  بحماية شرف الآلهة المصنوعة من تمر الزهدي.
عقاب السلطة لأبناء شعبها المحتجين  حاضر في كل العصور التاريخية ، مع حصول متغيرات في  اساليب العقاب ، في ظل التطورات  الحديثة في مجال الاسلحة الدفاعية والهجومية ، وفّرت التكنولوجيا تسهيلات لرجال السلطة باعتماد  وسائل جديدة  اثناء قيامهم  بتعذيب المذنبين ، تساعدهم على الاحتفاظ بقدراتهم  العضلية ،  بضربة واحدة  بالعصا الكهربائية ، يضطر المذنب الى الاعتراف تحت وطأة التعذيب  الجسدي والنفسي،  بانه  اساء الى الآلهة  ،  بمشاركته في ثورة الجياع والهجوم على مخازن  وزارة التجارة للحصول على كيس من الطحين .
 منظمات حقوق الإنسان الدولية وطبقا لتقاريرها الصادرة مطلع تسعينات القرن الماضي  ذكرت ان الدول العربية تنفق اموالا طائلة للحصول على  اجهزة" تعذيب حديثة متطورة "   وتعاقدت مع شركات  اجنبية  بملايين الدولارت ، المنظمات في ذلك الوقت لم تحرك ساكنا على الرغم من دعوات الناشطين الى  إلزام الدول  باتفاقيات الحد من استخدام التعذيب للحصول على اعترافات بالإكراه ، الانظمة العربية الحريصة جدا على  مواجهة التحديات الامنية ، بذريعة الحفاظ على الامن القومي ،  استوردت اجهزة" تعذيب حديثة متطورة " بمواصفات تجعل  المتهم يرى نجوم الظهر ،  قبل مرور الدقيقة الاولى من حفلة التعذيب  يعترف ويقدم معلومات قيمة  للمحققين،  تساعدهم على مسك رأس الخيط لمؤامرة اعدت في الخارج  للاطاحة بنظام الحكم .
 أشد ما يزعج السلطات العربية اندلاع التظاهرات الاحتجاجية ، فيتم التعاطي الرسمي معها بأسلوب واحد  بالاشارة الى وجود مندسين  يستهدفون مؤسسات الدولة ، مع  توجيه اتهامات لجهات خارجية  لوقوفها  وراء تنظيمها وتمويلها لإفشال التجربة الديمقراطية ، السلطة ترى جميع المتظاهرين مندسين غوغاء رعاعاً ، مخربين ،  يستحقون عقاب الارض والسماء .
هل تستطيع السلطة  تشخيص المندسين أم انها تنطلق من اوهام  رسّختها تجارب امتدت الى آلاف السنين في التعامل مع المعارضين،  بإمكانها تشخيصهم من علاماتهم الفارقة ، وتناولهم التمر الزهدي !  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram