خلال أسبوع واحد، وصلتني رسالة من ناشط مدني شاب في ميسان يدعو فيها معارفه الى التبرع لعلاج اطفال اشقاء اصابهم مرض غريب شوه معالم وجوههم ولايملك ذووهم مايسد تكلفة علاجهم، كما تلقى الدكتور الكريم ليث شبر رئيس المركز الانمائي للطاقة والمياه رسالة من أحد مقاتلي الحشد الشعبي اصيب اصابة بالغة ويدعو اهل الخير الى مساعدته لحاجته الماسة الى مايعينه على العلاج والمعيشة، وقبلها وصلتنا رسالة من الطالب الجامعي الذي يحتاج الى مبلغ كبير لانقاذه من الشلل وكيف هب زملاؤه لجمع تبرعات لاعادته الى مقاعد الدراسة، ثم تلقينا القصة المأساوية لرحيل الروائي محمد شاكر السبع في الغربة وكيف هبت الجالية العراقية لجمع تبرعات لدفنه وحماية جثته من مصير الحرق..عدا رسائل اخرى تعرضها وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي تدعو الى مساعدة فقير او التبرع لمريض او كفالة ايتام وماشاكل ذلك...
أذكر قبل عقود، كيف كان العراق يمد يد العون لدول عديدة ويستقبل ابناء دول عديدة ليعملوا فيه ويجمعوا (تحويشة العمر) ويعودوا الى بلدانهم اغنياء، اما الطلبة العرب والاجانب فكانوا من المدللين في جامعاتنا فلهم مخصصات مالية كبيرة واقسام داخلية حديثة ومجهزة بكل مايسهل اقامتهم لدينا فضلا عن تخصيص اقسام للمتزوجين منهم عبارة عن منازل مؤثثة وفي افضل احياء العاصمة..كنا وقتها نعيش باكتفاء وقناعة ولدينا مايكفينا من النفط والمنتجات الزراعية والثروات الحيوانية..وحين دخلنا نفق الحروب المرعب وخرجنا منه منهكين استقبلنا حصار اقتصادي قاسٍ حولنا الى مخترعين لكل مانستعيض به عما يوفر لنا الرفاهية والغذاء والدواء فعدنا اولا الى التراث لنستعير منه (اللالة والفانوس وخبز الشعير) واشياء اخرى، ثم حصلنا على براءة اختراع حلوى للاطفال من التمر وقمنا بإعادة تفصيل ملابسنا لتناسب أولادنا وتحوير أجهزة ومكائن ومنتجات عديدة صناعيا لتخدم المرحلة....كنا نرى حكومتنا تهدي عقود النفط إلى دول أخرى وشخصيات معروفة وفنانات وإعلاميين لمساندتهم لها ونحن ننتظر الحصة التموينية ونواصل اختراع مايسد معيشتنا ونجتهد لكيلا نزعج الحكومة بكلمة تخدش مشاعرها... مع ذلك، كان العراق يقع ضمن البلدان متوسطة الدخل قبل أن تتلقفه الحروب والحصار والقتال المسلح وجشع الحكومات وفسادها ليهبط تدريجيا إلى ماتحت خط الفقر...وبالتدريج أيضا تحولنا من دائنين ومتبرعين إلى مدينين ومحتاجين إلى التبرعات سواء على مستوى الأفراد أو الحكومة التي بدأت تستخدم الاقتراض كحل لأزماتها... يقال إن الفقر عبودية وإنه من صنع البشر، وفي بلدنا الذي يعوم على آبار النفط وتختزن أرضه الطيبة خيرا وفيرا فيما لو احسن استغلالها، ستظل الحياة تبتعد عن الرفاهية أميالا والفقر ينشر ظله الثقيل على نسبة كبيرة من السكان والحسرة تملأ النفوس حين نرى كيف انتشلت بعض الحكومات شعوبها من الفقر وأشعلت لهم شموع الأمل بينما تطفئ حكوماتنا كل ومضة أمل بتغيير الحال إلى الأفضل وتعدنا بحروب وصدامات جديدة...إذن، سيبقى المريض بلا علاج واليتيم بلا مورد عيش والمقاتل الذي يبذل روحه للوطن بلا سكن....وسيترجم العراقي معاناته هذه المرة.....عبر رسائل استغاثة فقط!
رسائل استغاثة
[post-views]
نشر في: 23 مايو, 2016: 09:01 م