هزائم داعش في جبهات مقاتلته تُعيد الاعتبار للجيش وسائر القوات المسلحة، وهو ما من شأنه تخفيف حِدّة الاحتقان السياسي، إذا ما استدركت القيادة السياسية أخطاءها، وشرعت باتخاذ تدابير وخطوات عاجلة تتلازم مع الانتصارات العسكرية لتصحيح الإخفاقات الحكومية على صعيد مشروع الإصلاح وتنقية الأجواء السياسية المتدهورة. ويكفي للتأكيد على هذا التلازم العضوي وضرورته لتكريس الانتصار، الفصل عند رسم الخطط الستراتيجية وتطبيقاتها التكتيكية بين الجبهات العسكرية والاقتصادية والأمنية والسياسية للدول في ظروف الحرب، وفي ظروف السلم والبناء ايضاً.
وهذا ما كان يجري التأكيد عليه دون توقف منذ السنة الأولى من عمر عراق ما بعد صدام حسين، وتزداد المطالبة به في المنعطفات التي تتّسع فيها مخاطر الإرهاب وشبح الانزلاق في مستنقع الحرب الأهلية. ولا يمكن تفسير التهاون في أخذ ذلك بالاعتبار من قبل الطبقة السياسية الحاكمة بالغفلة أو السذاجة السياسية، مع أنهما من صفاتها وتعبيراتها في السلطة، بل يأتي هذا التهاون كدلالة أكيدة على مراهنتها الخاطئة على أنَّ ضمان مصالحها وتوجهاتها، المحددة بـ"التقيّة"، للمستقبل الذي تفكر به للدولة العراقية، يتحقق عبر هذا التفكك القائم في الوضع، وما قد يتمخض عنه من تداعيات.
ويتبيّن ترجيح هذا الافتراض من "السياسة التقسيمية" التي اعتُمِدت وأشيعت قيمها وممارساتها في المجتمع، وأدت الى تمزيق نسيج المجتمع العراقي وتعميق الشكوك المتبادلة وعدم الثقة بين مكوناته، انتهاءً بتسليم ثلث مساحة العراق وسكانه من المكوّن السنّي إلى قطعان داعش الإرهابي التكفيري. وصارت مصادرة إرادة هذا المكوّن في مناطقه المستباحة "كفّارته" وضريبة انتمائه الوطني للعراق الجديد. لكنَّ هذه الكفّارة، لن تتحول، دون موجِبات، الى تميمة طاردةٍ لداعش، إذا لم تتّعظ الطبقة الشيعية الحاكمة وتعي أنَّ عليها التخلّي كليّاً عن سياساتها وممارساتها "التنفيرية" الإقصائية التي انتهجتها متوهّمة أنها بذلك تحقق " تسيّدها" والانفراد في بسط نفوذها وسيطرتها على مقاليد الحكم على "الدولة العراقية الموحدة"!
عليها أن لا تتوهم وتجرّ البلاد الى مغامرات دموية جديدة، فشرط "واحدية العراق" واحدٌ لا سبيل لتغييره، هو تفكيك بيئة انتعاش وعودة داعش وأخواتها وتعبيراتها الجديدة، وتكريس قاعدة المواطنة والمشاركة بين المكوّنات وإرساء أُسس دولة اتحادية ديمقراطية متعددة الأعراق والطوائف والأديان. وعلى الطبقة السياسية الشيعية والعبادي أن يباشرا هذا النهج، لأنّ فيه الانتصار الحقيقي على داعش وعلى الأوهام التي قادتنا إلى المستنقع الذي هوينا فيه.
التخطيطُ لما بعدَ داعش مِن أسلحة هزيمته في المعركة
[post-views]
نشر في: 25 مايو, 2016: 07:10 م