TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أمثال اليونان: سعادة الشِّعْر والمعرفة

أمثال اليونان: سعادة الشِّعْر والمعرفة

نشر في: 27 مايو, 2016: 09:01 م

(3-3)
نعاود التذكير في الجزء الأخير من هذه المادة، أن الكثير من الأمثال اليونانية موصولة بالمثيولوجيا والحكايات والملاحم وأبطال وجغرافيا اليونان القديمة، كالأمثال العربية تقريباً، لهذا السبب فهي تنطوي على درس معرفيّ صغير، وآخر جماليّ أكبر قليلاً. فالمثل "في ظلّ الحمار" يُقال للمتقاتلين من أجل أشياء تافهة، وفي حكايته أن أحدهم استأجر حماراً للذهاب إلى المدينة. عندما اشتدّت الحرارة استظلّ بالحمار، فما كان من صاحب الحمار إلا تأنيب الرجل بإنه قد قام بكراء الحيوان وليس ظلّه. العالم العربيّ يتقاتل اليوم، على ما يبدو، من أجل حيازة ظلّ الحمار.
ومن أمثال اليونان القديمة، ما نحسب أن ترجمته هي "الموكب الرسميّ لأرتيمون" الذي يقال لاصحاب الشغف العظيم. وأحسب أن مرجعي الذي ترجمه كالتالي: "نتجول بأرتميس مع السرير" قد جانب كما أرى الصواب، وأفقدني الصواب لجهلي المطبق باليونانية، خالطاً بين أرتميس وأرتيمون، لأن أرتميس Artémis  هي الأخت التوأم لأبولو، وربة الصيد وسبب الموت المفاجئ. ولا علاقة لها بالشغف العاطفيّ، بينما النعت الذي يسبق الاسم في المثل فقد ارتبط، حسب المتخصصين، منذ العصور اليونانية القديمة بشخصيتين كلاهما يحملان اسم أرتيمون، الأمر الذي يقود للالتباس، الأول معاصر ومنافس للشاعر الغنائيّ أناكريون، الموصوف بالشهوانيّة، والثاني مهندس معاصر للسياسي بريكليس. لذا يتوجب أن يُقال المثل عن رجل مرغوب به من طرف النساء، ولا بد أن يشير للشهوانيّ أرتيمون وليس لامرأة - ربة.
والمثل "لو سألكَ نبيذاً، اعطه لطمةً" الذي يُقال لمن يطلب شيئاً حسناً – إذ أن النبيذ عند الشعوب القديمة ليس رذيلة بالضرورة - فيُقابل بشيء سيئ. وهو مرتبط بميثيولوجيا السيكلوب، والأخيرة تعني دائريّ العين وسط الجبين: جنس من جبابرة مسوخ وعمال ماهرون يصنعون الصواعق وأسلحة الأرباب.
والمثل الذي نقدّمه بحرفيته: "من أجل ما كان مُتَوَجَّباً « ، ولعلّ ترجمة أقلّ حرفية أقرب لروحيته مثل "عَمَلُ ما كان لازماً القيام به". ومن قصته أن السياسيّ بريكليس منح مالاً لملك اللاسيديمونيين لكي ينسحب من مدينة أتيكا. وعندما سأله الأثينيون عن هذا المال، لم يكن يودّ أن يكشف شيئاً مكتفياً بالقول: لقد بذلتُ المال من أجل ما كان مُتَوَجَّباً .
وقولهم "سعيدٌ أنا لو امتلكتُ حقولاً بين كورنثيا وسيكيون"، يقال للراغبين بالخير لبعضهم. فإن الأرض خصبة بين المدينتين. وهي مدينة كورنث أو كورينثوس المشهورة معمارياً بعمودٍ على اسمها في مقاطعة كورينثيا، أما المدينة الأخرى فتقع في المقاطعة نفسها. ومَثَلُهُم "لا شيء أقوى من الحاجة الملحّة" [حرفياً الحاجة المرعبة]، لأن الأرباب أنفسهم في المثيولوجيا الإغريقية يخشون الاحتياج، حتى أن أفلاطون كان يقول "حتى الربّ لا يقدر على محاربة الاحتياج".
وفي تفسير المثل القائل "في جزر السعداء" أن هسيود كان يزعم أن جزر السعداء تقع في المحيط حيث يسكن السعداء. تقع الجزر في الأساطير الإغريقية في محيط نهاية العالم، وهي نوع من الفراديس التي تؤوي الأبطال والأرواح الفاضلة بعد الموت، بينما مستقرّ البشر الفانين العاديين مملكة هاديس.
أخيراً المثل اليونانيّ الطريف "إما مَيّتٌ أو يُدَرِّسُ الآدابَ". بعضُ مَنْ ذهب إلى صقلية ليحارب في حملة نيكياس اختفى، بعضهم أُسِرَ وأخِذَ ليُدَرّس العلوم الأدبية لأطفال الجزيرة. الناجون من الحملة العائدون إلى أثينا كانوا يجيبون عن مصائر رفاقهم في صقلية بالعبارة: "إما ميّتٌ أو يُدَرِّس الآداب" التي ذهبتْ مثلاً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

قناطر: الزبير والمُستزْبِرون

العمود الثامن: من يحاسب ضباط الداخلية ؟

التحدي الوجودي للمشرق العربي

قناديل: خسر كوبولا ملايينه. هل ربح نفسه؟

هل تعد واشنطن لاتصالات سرية مع إيران؟

العمود الثامن: من يحاسب ضباط الداخلية ؟

 علي حسين قالوا في تسويغ جريمة تعذيب وقتل المهندس بشير خالد، إنها حادثة طبيعية، مجرد شجار بين السجناء ادى الى نهاية حياة مواطن بوحشية، وطالبتنا وزارة الداخلية بان نكون مع الصادقين، وان لا...
علي حسين

قناديل: خسر كوبولا ملايينه. هل ربح نفسه؟

 لطفية الدليمي لم أصدّق نفسي بادئ الأمر. فرنسيس فورد كوبولا، صانعُ الروائع السينمائية (العرّاب) و (القيامة الآن) و(المحادثة) تتوّجُهُ الأكاديمية السينمائية الأشهر في العالم على رأس قائمة الأفلام الأسوأ صناعة. هكذا رأى أقطاب...
لطفية الدليمي

قناطر: الزبير والمُستزْبِرون

طالب عبد العزيز أثارت دعاوى بعض النوّاب والشخصيات الاجتماعية من (المستزبرين) الخاصة بجعل قضاء الزبير محافظة ردود أفعال رسمية شعبية كبيرة، خلال الأسبوعين الماضيين، ودافع عنها البعض على المستويين الرسمي والشعبي، واستنكرها غالبيةُ البصريين...
طالب عبد العزيز

التحدي الوجودي للمشرق العربي

فراس ناجي تواجه دول ومجتمعات المشرق العربي تحدياً وجودياً عبر حالة التوحش اللاإنساني في استعمال القوة لفرض إرادة المشروع الاستيطاني الصهيوني التوسعي بالتزامن مع انهيار مبادئ النظام الدولي وشلل مؤسساته المعنية بتطبيق هذه المبادئ....
فراس ناجي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram