بعد مراحل من التحولات، التي استغرقتها تجربة الرسام الكردي العراقي ستار علي، والتي استغرقت سنوات طويلة، بدأ الرسام ستار علي محاولاته الجادة ليركن التمثيل المباشر للتشخيص، وللمشخصات جانبا، ولجعل المتلقي يواجه المادة التي يشتغل عليها عارية من كل اسانيده

بعد مراحل من التحولات، التي استغرقتها تجربة الرسام الكردي العراقي ستار علي، والتي استغرقت سنوات طويلة، بدأ الرسام ستار علي محاولاته الجادة ليركن التمثيل المباشر للتشخيص، وللمشخصات جانبا، ولجعل المتلقي يواجه المادة التي يشتغل عليها عارية من كل اسانيدها الـ(خارج مادية)، ربما لاعتقاده ان طاقة المادة التعبيرية (جمالياتها) كامنة في المادة ذاتها دونما حاجة الى تبديد تلك (الجمالية  esthetics) بارتباطها بالمشخصات الخارجية او ما يسميه كلايف بل (التمثيل) في كتابه (الفن)، فالارتباط بالخارج يعني الارتباط بالسرد، وبالنثريات التي هي عالم موجود في الرسم ولا يمكن نكرانه، ولكنه يقع خارج جوهر الرسم الذي هو في النهاية جوهر مادي شكلي ولوني، وهو الهدف المثالي والنهائي للرسام ستار علي، لذلك تتحول اعمال ستار علي، وبشكل مضطرد، ومنذ اعوام، الى سيول من البقع اللونية التي تومئ من بعيد الى اشكال واقعية هي بمثابة اشباح تسد مسد المشخص والواقع، او ربما هي نمط من اثر الواقع ومشخصاته التي قال بها الراحل شاكر حسن ال سعيد.
ان تجربة ستار علي الفنية لا تضع، لا الواقع، ولا مشخصاته، هدفا اساسيا لها، حتى يمكن القول انه لا يتخلى عن اشكال المادة، بل يتخذ المادة شكلا  في لحظات عريها، ولحظات نقائها الوجودي الخالص، كما انه لا يوظف اية وسائل تقنية مساعدة، ويكتفي باللون الخالص اداة تعبيرية، فليست هنالك اية ملصقات، او مخربشات، او حزوز، او ثقوب، او اية مواد مضافة، فلا تتبقى الا مادة اللون التقليدية خالصة وقد خضعت لتطويع تقني استثنائي.
ان المادة الخاضعة للمهارات التقنية  لستار علي تتصرف بوجهين يبدوان لنا متناقضين ومتتامين في ان معا: فباتجاه التعميق تبدو مادة الرسم، تحت يده، غير قابلة للسبر كمثل لغز، ولكنها تبدو باتجاه الانطلاق بحكم طاقتها التعبيرية المتفجرة، وكأنها تفلت من يديه مثل طاقة لا تستنفد، باعتبارها معجزة.. وهو ما تحاول ان تتخذه المادة في اعماله بتلبسها فاعلية تعبيرية، في كل الاتجاهات التي تندفع اعتمادا على طاقتها التعبيرية الداخلية، فلا تتبقى لسلطة الواقع عليها الا سلطة واهية لا يمكن ان تفرض فاعلية مؤثرة.
وخلاصة القول فإن الرسام وعضو اتحاد الأدباء والكتاب في دهوك، ستار علي، يوغل كثيرا في إدارة ظهره إلى أشكال الطبيعة، وكل ما يذكّر، او يوحي بها، موغلا في تحويل اللوحة عنده إلى معالجة لونيةـ، في محاولة لإعادة الرسم إلى جوهره الحقيقي، كون الرسم في التحليل النهائي ليس إلا مادة على سطح؛ وبذلك تشكل تجربته الفنية جزءا مهما من تجارب هؤلاء الرسامين، إضافة لأسماء أخرى وهو اتجاه وان كان يبقي على المادة التقليدية في الرسم أي الزيت او الاكريليك، إلا انه يحرص على أن تكون معالجته لتلك المادة معالجة خلاقة وبتقنية عالية وبذلك فهو يحاول إدامة صلته بالرسم الحديث مع إبقاء إخلاصه للمادة التقليدية الأولى للرسم التي فتحت باب الرسم الحديث في عصر النهضة الأوروبية..
ان واحدة من الاسئلة-الاسرار التي تواجه المتلقي وهو يتلقى تجربة ستار علي: كيف يمكن لتجربة طلقت التمثيل والمشخصات ان تبقي النبض والروح المحلية الكردية فاعلة؟ .. ذلك واحد من اهم اسرار تجارب (مجموعة) دهوك التي افترضتها انا، والتي لا ترسم الواقع انما تستنهض روحه التي ظلت كامنة في مادة اللوحة دونما انمحاء..