TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > دارة يعسوب رفيق.. هوى العمارة "الأيقونية"

دارة يعسوب رفيق.. هوى العمارة "الأيقونية"

نشر في: 28 مايو, 2016: 12:01 ص

لا تفتأ دارة "يعسوب رفيق" (1965) في ضاحية المنصور ببغداد، المصممة من قبل رفعة الجادرجي (1926)، تظهر إمكانات الرغبة في تحدي المألوف، والتأسيس لعمارة "أيقونية"، تنزع لان تبقى خارج السياق، خارج مألوف الدارات السكنية، تلك "الدارات" التي أمسى "اميجها" الم

لا تفتأ دارة "يعسوب رفيق" (1965) في ضاحية المنصور ببغداد، المصممة من قبل رفعة الجادرجي (1926)، تظهر إمكانات الرغبة في تحدي المألوف، والتأسيس لعمارة "أيقونية"، تنزع لان تبقى خارج السياق، خارج مألوف الدارات السكنية، تلك "الدارات" التي أمسى "اميجها" المكرر والمتماثل، لا يثير أي نوع من الدهشة او الاستغراب. وتلك الرغبة، وذلك التوق اللذان "تلبسا" المعمار وزبونه، في لحظة نادرة وهامة ومفاجئة للوسط المهني، جعلتا من فعل تصميم الدارة وحضورها البهي في المشهد، حالة خاصة لمجال واسع من التجريب، والاختبارات، وعدم المألوفية.

تعتمد عمارة الدارة، التي نتحدث عنها الآن، على مقاربة تصميمية محددة، بدأها المكتب الاستشاري العراقي، الذي يقوده الجادرجي، في تصاميم عدة مبان، نفذ قسم منها لاحقا، مثل مجمع مباني كلية الطب البيطري في ابو غريب (1965)، وقسم آخر، ظل مجرد مقترح لتصاميم مبان ذات وظائف مختلفة، كالتصميم المشارك في مسابقة مبنى وزارة البلديات (1965)، او تصاميم ديوان الأوقاف (1965) وغيرها من المشاريع. لقد كانت غالبية تلك المشاريع متكئة على إعادة "الشرعية" لتوظيف المادة الانشائية التقليدية "الآجر"/ الطابوق مجدداً، ولكن طبقا للاستخدام "البروتالي" Brutally له، ان صح التعبير، المتصف على تأكيد الخشونة و"الفظاظة"، والنأي بعيدا عن رهافة اعمال التنفيذ، مع التشديد على حضور "طبقات" Layers في معالجة وتصميم الواجهات، وعدم الاعتماد على مفهوم "السطح المستوي" Plane المألوف في صياغاتها. كما ان المعمار، وحرصاً منه، على نيل وتحقيق "اميج" الحدث "الايقوني"، الذي يطمح اليه، ويسعى الى تكريسه في التكوينات الناجزة، لجأ الى تحريك امكنة تلك الطبقات، في توقيعات متباينة، ما منح تشكيلات الواجهات المجترحة السمة النحتية، المنطوية على البعد الثالث. لكن تلك الطبقات وذلك التحريك، لم يكن امراً عادياً او بسيطاً، وإنما انطوت تمثلاتهما على اشكال لأبراج ضخمة ذات ارتفاعات مختلفة، وسماكة متباينة. وكل ذلك اضفى على هيئة الدارة سمة "الحصن" او القلعة، مبدلاً بذلك المعمار، في فعل خلاق، نمط عمارة شكل الدارة المألوف الى نمط معماري آخر، انطوى على قطيعة معرفية ومفاهيمية، كما اتسم على انفصال "شكلاني" تام لما يمكن ان تكون عليه الدارة السكنية البغدادية. وبالتالي، فنحن إزاء مسعى ابداعي جديد، يطمح ان تكون مخرجات نتاجه التصميمي ذات اشكال "ايقونية" معبرة، مع حضور مميز في البيئة المبنية المحلية.
ثمة إضافة أخرى لافتة في عمارة دارة "يعسوب رفيق"، تمثلت في حضور "الفناء الداخلي" كعنصر مهم من عناصر التكوين المجترح للدارة. وهذه الإضافة التصميمية، التي نعدها بمثابة ايماءة احترام لعناصر العمارة المحلية، ودلالة رمزية للشغف بها، كانت، وقتذاك، امراً جديدا وطازجاً في عمارة الدارات السكنية الحديثة. ذلك لأن، وجود الفناء الوسطي المكشوف، وكما هو معروف، ظل ملازماً لعمارة المنازل السكنية العراقية، منذ ان ظهر ذلك العنصر بشكل مبدع ومتكامل في "اور" قبل نيف وثلاثة آلاف سنة، لكنه اعتبر من "الماضي" مؤخراً؛ عندما تحول تكوين الدارات الى ما يسمى "بالتصميم المتضام" الحداثي، الذي ألغى وجود الفناء، لاعتبارات وظيفية واقتصادية. في دارة "يعسوب رفيق" يحضر الفناء ليس بصفته البيئية، التي يمكن، الان، الاستعاضة عنها بوسائل تكنولوجية متاحة، وانما يتواجد في التكوين لجهة الجانب الجمالي والرمزي. والمعمار بهذا الحل التصميمي يسترعى انتباهنا لأهمية هذا العنصر ويبينّ إمكانات استخدامه وتوظيفه في التكوينات الحداثية، بعد إجراء عمليات التأويل التي تصدى لها.
تبقى عمارة دارة "يعسوب رفيق" في المنصور، المصممة والمنفذة في منتصف الستينات، وكما نراها، من الاحداث البارزة في منتج العمارة العراقية، مثلما هي حالة لافتة للنظر في منتج العمارة الإقليمية ايضاً؛ بفضل لغتها التصميمية المميزة، ومقاربتها المعمارية غير العادية، ومسعاها لترسيخ نماذج العمارة "الايقونية" في المشهد المعماري. فليس المهم ولا المهمة، هنا، "الموضوع"، (ذلك الموضوع الخاص بـتصميم "دارة" سكنية)، بقدر ما كيفية التعاطي معه ابداعياً. فالإبداع، ومرة آخرى، هنا، ليس مجرد أفكار ومفاهيم ونظريات جديدة فقط، بل هو ايضاً، وفي الجوهر "شكل"، قادر على تمثيل تلك المفاهيم وتجسيد تلك النظريات؛ ليغدو في النهاية ذلك "الشكل"، شكلاً مضاداً ومغايراً لما هو سائد. وعمارة دارة "يعسوب"، ولا بأس من التكرار، بهيئتها غير العادية، وسعيها لان تكون مختلفة عن السياق، وفرادة "فورمها"، و"ايقونيتها"، تشعرنا بأننا ازاء حضورية بالغة، مفتوحة ومشرعة على آفاق معرفية جديدة، وهي بالتالي جديرة لان تكون احدى الروائع التصميمية للمنتج المعماري العراقي.
والمعمار رفعة كامل الجادرجي، مصمم الدارة، الذي ستحتفل الاوساط المهنية والثقافية في "تسعينيته" في هذا العام 2016 (هو المولود في 6/12/ 1926 ببغداد)، ومقالنا هذا، هو من ضمن مقالات آخرى مكرسة لتلك المناسبة، أنهى تعليمه المعماري من مدرسة "هامر سميث للفنون والاعمال" (1946-52) بلندن / المملكة المتحدة، عاد الى العراق، واشترك مع عبد الله إحسان كامل وإحسان شيرزاد، في تأسيس مكتب "الاستشاري العراقي" (1953)، وانضم لهم، بعد ذاك معماريون آخرون. قدر لغالبية مشاريع المكتب ان تمثل بعمارتها المميزة ولغتها التصميمية الحداثية، صفحات مهمة وناصعة في سجل المنجز المعماري العراقي. ومن ضمن تلك المشاريع: دارة كتخدا (1959) في العلوية، نصب الجندي المجهول  في ساحة الفردوس (1959)، كلية الطب البيطري (1965) في ابي غريب، بغداد، ومبنى التبوغ (1961)، في شارع الجمهورية ببغداد، مبنى التأمين (1966) في الموصل، مبنى اتحاد الصناعات العراقي عند ساحة الخلاني ببغداد (1966)، مشروع مسجد لندن (1969)، لندن /المملكة المتحدة (لم ينفذ)، مصرف الرافدين (1969)، في المنصور ببغداد، مبنى الاتصالات (1971) <بالاشتراك مع هنري زفوبودا>، في السنك ببغداد، دارة هديب الحاج حمود (1972) في المنصور ببغداد، بناية مجلس الوزراء (1975)، في كرادة مريم ببغداد، وغير ذلك من التصاميم المميزة، ذات الوظائف المتنوعة. أصدر الجادرجي عدة كتب تعاطت مع الشأن المعماري والفني والأنثروبولوجي مثل: شارع طه وهامر سميث (1985)، صورة أب (1985)، مفاهيم وتأثيرات: نحو اقلمة العمارة الدولية (1986) <باللغة الانكليزية>، الاخيضر والقصر البلوري (1991)، حوار في بنيوية الفن والعمارة (1995)، ومقام الجلوس في بيت عارف آغا (2001)، جدار بين ظلمتين (2003) <بالاشتراك مع زوجته بلقيس شرارة>، في سببية وجدلية العمارة (2006)؛ الذي نال عنه جائزة زايد للكتاب (2008)، وقد أصدر اخيرا (2014) كتابا ضخما بعنوان "دور المعمار في حضارة الانسان". سبق وان حاز الجادرجي على جائزة الرئيس لمؤسسة أغا خان (1986). مقيم في بريطانيا منذ الثمانينات، ويتنقل في اقامته بين لندن وبيروت.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

القضاء ينقذ البرلمان من "الحرج": تمديد مجلس المفوضين يجنّب العراق الدخول بأزمة سياسية

الفيفا يعاقب اتحاد الكرة التونسي

الغارديان تسلط الضوء على المقابر الجماعية: مليون رفات في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram