كم مِن السنين وكم من التجارب الفاشلة يحتاج مَنْ في أيديهم الحلّ والربط في دولتنا حتى يدركوا أنهم في الغالب لا يفكرون بطريقة صحيحة ولا يعملون بطريقة سليمة، وأن من الخير لهم وللبلاد والعباد أن يستمعوا إلى مَنْ يقول لهم كلاماً كهذا، وألّا يتعاملوا مع هذا الـ "مَنْ" بوصفه عدواً أو مُزاحماً لهم في امتيازاتهم وطامعاً في واحد من الكراسي التي يقعدون عليها؟!
قلنا لهم الأُسبوع الماضي إنّ توجيه الاتهامات جزافاً إلى المتظاهرين بوصفهم مندسّين وبعثيين أمر معيب ما دام ليس في وسعهم إقامة الدليل على ما يقولون على نحو واضح لا يحتمل اللّبس والتأويل.
إنه في الواقع أمر مهين لنا نحن متلقّي هذه المعلومات، لأنهم بهذا يستخفّون بمقدّراتنا العقلية وينتقصون من وطنيتنا، فهم وحدهم يعرفون، وهم وحدهم بالتالي من لديهم القدرة على منح شهادات الوطنية لمن يريدون، أما نحن فلا نعرف كما يعرفون، ولا نميّز كما يميّزون بين ما هو وطني وما هو غير وطني..
إنهم يبدون، على هذا الصعيد، كما لو كانوا نسخة طبق الأصل لصدام حسين، يقلّدونه في كلّ شيء ويتصرفون مثله تماماً، ومثله أيضاً يريدوننا أن نقبل بكل ما يصدر عنهم من قول وفعل.
هذا الأسبوع عادوا ليحدّثونا عن "تصعيد خطير" تنوي القيام به "جماعات معينة" يوم الجمعة (أمس)، فيما البلاد منصرفة إلى حربها مع داعش لتحرير الفلوجة، مما يستوجب وقف التظاهرات ريثما تنتهي معركة الفلوجة.
أصحاب هذا الكلام، وهم رئيس الوزراء ومكتبه الإعلامي، اختاروا مرة أخرى أن يمارسوا لعبة الاستهانة بقدراتنا المعرفية وبوطنيتنا، فلم يشاؤوا إشراكنا "سرّهم" المقدّس لنعرف منهم شكل ولون ورائحة "الجهات المعينة" التي قالوا انها تحضّر لـ "تصعيد خطير".. هذا السرّ متخصّص بهم بوصفهم الآلهة، أما نحن فالرعية التي ليس لها أن تعرف.. كلّ ما لها وما عليها هو أن تصدّق ما يقوله لها كهنة المعبد الحكومي!
هذا الذي أتحدث عنه ليس من الإعلام في شيء.. إنه كلام "فهلوة" غير مقبول وغير مجدٍّ.. المقبول والمجدي أن يتحدث رئيس الوزراء ومكتبه الاعلامي بشفافية.. بكل الشفافية وليس بجزء منها. الشفافية، وليس الكتمان او التدليس، هي ما يصنع الاعلام الناجح. كان يتعين عليهم ان يقدموا لنا نماذج من المندسين والبعثيين من العشرات ممن اعتقلوهم الاسبوع الماضي، وأن ينشروا نتائج التحقيق معهم. وكان يتوجب عليهم أن يبثوا معلومات مفيدة عن "الجهات المعينة" وعن "التصعيد الخطير" الذي أزمعت عليه هذه الجهات.
يهمّنا نحن أن نعرف مَنْ يندسّ إلى التظاهرات، وأين يوجد البعثيون وسواهم فيها.. ونحن ايضاً نرغب في أن نتعرف على مَنْ يسعى للتصعيد الخطير في الجبهة الخلفية بينما الجيش والشرطة وسائر القوى المسلحة تخوض معركة "كسر الإرهاب" في الفلوجة، فنحن وطنيون بالقدر الذي يرى فيه رئيس الوزاء ومكتبه الإعلامي أنهم وطنيون... الوطنية ليست حكراً عليهم، ولا علينا.
الوطنيّة ليست حكراً على مكتب رئيس الوزراء
[post-views]
نشر في: 27 مايو, 2016: 06:00 م
جميع التعليقات 2
راصد
هناك مقولة سياسية تقول :النظام بخلق معارضة تشبهه. فلا نستغرب أخي الأستاذ عدنان بعد ذلك بأن بعمل هذا النظام بنفس عقلية نظام صدام.
راصد
هناك مقولة سياسية تقول :النظام بخلق معارضة تشبهه. فلا نستغرب أخي الأستاذ عدنان بعد ذلك بأن بعمل هذا النظام بنفس عقلية نظام صدام.