لا نتوقّع أن يكون دعاة "حكومة التكنوقراط المستقلة" أولاً قد اقتنعوا بأنّ شعارهم هذا لا علاقة له، في ظِلّ نظام المحاصصة الطائفية، بالمطالبات الشعبية الداعية للإصلاح والتغيير على قاعدة تأمين الكهرباء والخدمات الضرورية للحياة وبسط الأمن بهزيمة داعش وحصر السلاح بيد الدولة ووقف التعدّيات على الموطنين ووضع حدّ لانتهاك الحريّات. وليس من المتوقع أنهم اقتنعوا أيضاً بأنَّ إنهاء المحاصصة الطائفية ضربٌ من الإعجاز عبر تشكيل حكومة تكنوقراط، مستقلة كانت أم مُشتبه باستقلاليتها. ولو أنهم تابعوا ما نتج عن تصعيد التظاهرات بالاقتحام " الثوري" للبرلمان و"تلويث قنفة الرئيس العذرية اللون"، وتصدّر مشعان ومَنْ هم على سويّته اعتصام النواب المعروفة سيرة أغلبيتهم لدى العراقيين، لربما أمعنوا التفكير بأنّ دعواتهم وما حرّضوا عليه من تصعيدٍ خاطئ، أدّت إلى تعطيل أيّ مسارٍ يفضي للإصلاح أو لتدابير حكومية وتشريعاتٍ برلمانية من شأنها دفع عجلة الإصلاح.
وما ترتّب على التصعيد الخاطئ في واقع الحال، أكد بشكلِ قاطع على أنَّ الوهم بأنَّ "حكومة تكنوقراط" هي المَعْبَر لتحقيق الإصلاح وإنهاء المحاصصة، ليس سوى أضغاث أحلامٍ وهروب إلى الأمام. فها هو البرلمان قد عُطِّل، وبتعطيله شُلّتْ مفاصل الدولة وإرادة الرئاسات والمصالح العامة المرتبطة بالسلطة التشريعية، بل على العكس من ذلك، أكدت لكلِّ متلبسٍ بالوهم أنَّ البرلمان انما هو "أداة ومُحرّك" المحاصصة الطائفية والوليد الشرعي لنظامها وآلياتها، والمُعبِّر عن مصالح مكوّناتها الحزبية الطائفية. ومن دون الاحتكام لقواعد عملها، والارتهان لأصواتها المقررة، يظلُّ الحديث عن تغييرٍ في بنية النظام وآلياته وقراراته "مِثْلِ اليِلمّ بالماي يردّ چَفّهَ خالي" كما تقول الأُغنية الشعبية الحكيمة !
ولا داعي لأنْ نذهب بعيداً، فهذا رئيس مجلس وزرائنا "مُهندس الدعوة" لحكومة تكنوقراط مستقلة، هو " تكنوقراطي" مصنَّف، خرّيج جامعات وليِّ نعمتنا "أبو ناجي"، وتأهّلَ في مؤسساته وشركاته العريقة، ومع ذلك ظلّ أسير إرادة حزبه "من الباطن" وكتلته الطائفية، وعجز في غياب البرلمان عن أن يُعالج عشرات الثغرات الدستورية في أجهزة الدولة ومعالجتها هي من صلاحيّاته لا تشترط عرضها على البرلمان والتصويت عليها.
لقد حان الوقت لنتنبّه من الشِباك التي يُراد لنا التدحرج فيه، والضياع في متاهة المطالب "التخديرية" التي لا طائل من ورائها، وإلّا لن نجد أنفسنا يوماً الا غرباء في ساحة التحرير وسوح الاحتجاج الأخرى، نتلفّت فلا نجد سوى مشعان وحنان وعالية والأشكال التي تصدَّرتِ اعتصام البرلمان وهم يطالبون بالتغيير الجذريّ للنظام وليس بالإصلاح المُجتزأ.
ويوم ذاك سنكون من زمرةِ "المُندسّين" ..!
الإصلاحُ المُبتلى برئيسِ وزراءٍ "تكنوقراطيّ" ...!
[post-views]
نشر في: 30 مايو, 2016: 06:47 م