تـقــــديم: أهمية ان تكون ضيفا على مهرجان سينمائي مثل مهرجان دبي ، بصفة ناقد سينمائي أو إعلامي ، تكمن في توفر فرصة مشاهدة أفلام مهمة ربما لا تتسنى لك مشاهدتها في دور العرض السينمائي او على شاشات الفضائيات التي تعرض أفلاما سينمائية ، كونها لا تدخل ضمن
تـقــــديم:
أهمية ان تكون ضيفا على مهرجان سينمائي مثل مهرجان دبي ، بصفة ناقد سينمائي أو إعلامي ، تكمن في توفر فرصة مشاهدة أفلام مهمة ربما لا تتسنى لك مشاهدتها في دور العرض السينمائي او على شاشات الفضائيات التي تعرض أفلاما سينمائية ، كونها لا تدخل ضمن تصنيف الأفلام الهوليودية او الأفلام التجارية العربية ، رغم اهميتها من خلال ما تطرحه من اشكالات في مجتمعات ما زالت شعوبها تعاني الكثير من الحيف والقهر ، فكم كبير من افلام امريكا اللاتينة وشرق آسيا وافريقيا ،وأوروبا الشرقية يوفرها هذا المهرجان .
السينما المغربية مثلا ، ومن خلال عديد أفلامها ، تقدم أفلاما مهمة ، من هذه الافلام فيلم المخرج هشام العسري "جوِّع كلبك" الذي تسنت لنا مشاهدته في الدورة الثانية عشرة لمهرجان دبي السينمائي .
العنوان
"جوِّع كلبك" مثل تتداوله كل البلدان العربية ، دلالته واضحة وقاسية ، لا يتبعك كلبك الا اذا جاع ، ولا يتبعك شعبك ويخضع اليك الا اذا جاع وخاف ، والثانية هي التي تجعل قسوة المثل ، الجملة ، حادة تثير الأسى في النفس .
الحكاية
يتعرض المخرج هشام العسري الى مرحلة قاسية من مراحل الحيف والخوف التي مر بها الشعب المغربي ، وهي الفترة المسماة "سنوات الرصاص" ، حيث التنكيل والقتل الاختفاء في عوالم المجهول لكل من تجرأ واشتكى او انتقد الحكومة .
مُنفذ كل هذا وقائده وملك الموت والخوف ، والعبد المطيع لملكه هو وزير الداخلية السابق "ادريس البصري" الذي اذاق المغاربة الأمرّين ، حيث شبح الخوف ما زال ماثلا امامهم الى الان رغم ان الملك الجديد قد الغى كل القوانين التي اجازت للبصري وغيره ارهاب الشعب المغربي ، تحاول مخرجة ان تعمل معه لقاء تلفزيونيا يتحدث فيه عن تلك الفترة وهو المستقيل او المقال من المنصب ، ويعيش حالة من الشرود الذهني ، ومطاردة البعض من ضحاياه .
الاشتغال
يتعمد العسري ان تكون الصورة شبه مشوشة وانعدام شبه كلي للإنارة ، ويعتمد الكاميرا المحمولة في كثير من الاحيان ، ولكل من ذلك دلالته التي سنتحدث عنها فيما بعد ، يضخ هاشم العسري كل ما يريد قوله من ادانة للوضع العام والبؤس والعوز الذي يعاني منه الناس ، منذ المشهد الاول ، حيث نشاهد امرأة عجوزا ، قد قسا الزمن والحرمان على ملامحها ، تتحدث عن واقعها وامثالها ، بحرقة وألم ، في مشهد كان للكاميرا المحمولة اثر كبير في تحقيق جماليته ، الضربة الاخيرة في حديثها والتي تعد كذلك للمشاهد غير المغربي هي "عاش الملك" التي اثارت ضحك الجمهور ، كونها تعد مفارقة كبيرة استنادا لحديثها الموجع ، لكن يبدو ان المغاربة غالبا ما ينهون حديثهم او احتجاجهم بهذه الجملة كصك غفران لمن انتقد الوضع والاداء الحكومي .
يتحرك العسري بكاميرته في شوارع المدينة ، فتاة تعلق رجلي دجاجة في اذنيها "قد تكون ابنة الوزير" ، شباب متسكعون ، تطلب منهم المال مقابل ان يروا ساقيها ، ثم يدخل الى صلب موضوعته وهو اللقاء التلفزيوني مع الوزير المخيف السابق ، حيث كادر العمل يخافه والمقدمة التي يبدو ان لها مصالح معينة تريد تحقيقها من هذا اللقاء ، نكتشف ان الوزير الجلاد السابق قد فقد الكثير من تركيزه وان شبح ضحاياه يطارده رغم تأكيده انه خدم البلاد كثيرا ولم يكن كما يعتقده البعض عنه ، ويردد اغاني وطنية قديمة ونشيد وطني غير نشيد بلاده .
تأويل النص المرئي
يمكن للمشاهد ان يؤول النص البصري لهذا الفيلم منذ مشهده الاول ، المرأة العجوز الشاكية ، شحنة البؤس والعوز التي تعلنها تقاطيع وجهها ، التناقض بين ذلك كله ولون ثوبها من خلال قصدية اللون الوردي الذي يرمز للازدهار والرفاهية ، الجملة المؤثرة التي اضحكت الجمهور ، لكن بالتأكيد بعد خروجه سيفكر بما تعنيه هذه الجملة وهي "عاش الملك" ، الجملة التي ربما تستخدم كتقية لمن لا يريد ان يتعرض للمحاسبة والاعتقال نتيجة انتقاده الاداء الحكومي ، سواء أكان الاقتصادي او السياسي او الاجتماعي .
البنت التي تهيم في الشوارع ، الشباب الذي يفترش الرصيف ، الضياع الذي تستشعره على وجوه المارة ، الخراب الذي وصل له عقل الوزير السابق ، الوزير الجلاد ، دلالة جدوى ان تعمل اعلامية تدعي الاحتراف لقاء مع هكذا وزير ، حالة الملل التي تعتري كادر العمل ، كل هذا التأويل يثير في الاخر التساؤل او السؤال الذي اراد الفيلم طرحه ، او الذي اراد العسري المشاكس طرحه سواء من خلال اعماله السابقة "النهاية" و"هُم الكلاب" و"البحر من ورائكم" او من خلال فيلمه هذا وهو "ماذا بعد" كيف سيكون الوضع ، هل سنبقى نشكي ونحكي لنقول في الاخر "عاش الملك" ...
لماذا لم يحاسب الوزير على افعاله من قبل الملك الجديد ، هل كان الوزير ضحية هو الاخر، هل كان اداة بيد ملك سابق، لكن هذه الاداة لم تعد تعجب الملك الجديد ..
الفيلم بطولة الممثل بنعيسى الجيراري ولطيفة أحرار .
كتب سيناريو الفيلم واخرجه هاشم العسري.