كان أول ردّ فعل لرئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون على نتائج الاستفتاء على استقلال سكوتلندا، أنّ "علينا أنْ نبحث في برنامجنا القادم، لماذا صوّت مواطنون على الانفصال ، هل لأنهم يشعرون بالظلم ..؟".
وفي دول العالم المتحضّر يكفي خروج بضع عشراتٍ من المواطنين يرفعون لافتةً تحمل مطلباً أو احتجاجاً، أو اعتصام بضعة أفراد مع شعارات مكتوبة بخطٍّ رديءٍ على كارتون أمام البيت الأبيض أو ١٠ داوونغ ستريت أو مبنى البرلمان الأُوروبي، حتى تهرع وسائل الإعلام الى المواقع المذكورة وتُحوّل كلّاً منها إلى حدثٍ وتعليقٍ، لتنتقل بعدها الى اجتماعات الحكومة أو الوزارة المعنيّة.
وفي بلدانٍ أخرى تُريد أن تتحضّر وتتعثّر في مساعيها للانضمام الى دول العالم المتحضّر، مثل تركيا الأردوغانية أو الجمهوريات السوفيتية السابقة، لا تجد أُسلوباً أكثر تعبيراً عن الادّعاء بديمقراطية برلماناتها، غير اللجوء إلى استخدام اللّكمات بلا قفّازات ملاكمة والحوار بقذف الآخر بالكراسيّ ومنافض السكائر وقناني المياه، وأحياناً الأحذية الأنيقة!
لكنَّ دولنا، نحن المقصيّين فوق تلّة نفايات العالم السفلي، يفخر حُكّامنا بأنهم الأكثر من هؤلاء جميعاً في مراعاة قواعد اللعبة الديمقراطية وأصولها، فليس مثلهم مَنْ يتلقّى الشتائم والاتهام والتعريض والمطالبة بالرحيل ونفي صلاحيتهم للحكم، ومع ذلك فهم يُدارون الرأي الآخر بالصبر والإهمال !
وفي دولنا، يسخر الحكّام من مظاهر استعباد الأقلية من جانب الأكثرية، إذ كيف لبضع عشراتٍ من المشرّدين أو "الهوم لس" أن يُضيّعوا الوقت الثمين للحكومة ببحث مطالبهم، في حين أن الشعب كلّه ظلّ بمنأىً عن استعراضهم المُخلّ ذاك . أمّا إذا خرجت مئات الآلاف والملايين الموزّعة على المحافظات والمدن ترفع ذات المطالب والشعارات والأهداف على مدى سنوات متصلة، فإنّ حكّام دولتنا اللا دولة، الفاشلة بامتياز، المقصيّة هي فوق تلّة فضلات غير قابلة للتدوير، سيزجّون بكلّ ما في ترسانة شرطة مكافحة الشغب من أفراد مُدجّجين بالسلاح الفتّاك وآلياتٍ عسكرية وخراطيم مياه وقاذفات قنابل الغاز المُسيل للدموع، ويستعينون بعمليات بغداد أو ما شابهها في المحافظات، ويُقطّعون أوصال شوارع المدينة ومحلّاتها ويشلّون الحركة فيها، خشيةً وخوفاً من الاعتداء عليهم، والإضرار بالممتلكات العامة والخاصة وقطع أرزاق الناس. ويصادف أحياناً أن تُحلّق فوق رؤوسهم ، كما حصل في شباط ٢٠١١ مروحياتٌ عسكريةٌ تُثير عليهم عجاج ساحة التحرير!
لكنْ من المستحيل أنْ يعترف حكّامنا ولو لمرّةٍ واحدةٍ بأنَّ تظاهرات الملايين هي استفتاءٌ على فسادهم وانعدام صلاحيتهم.
وأقصى ما تتفتّق عنه إذهان حكّامنا في مثل هذه الحالات الحرجة: أنهم زمرةٌ من المشاغبينَ والمندسّينَ، أو مُجرّد فقاعة ..!
متى نتبيَّنُ أنَّ لنا رجالاتِ دولة..؟
[post-views]
نشر في: 1 يونيو, 2016: 07:02 م