انضمَّ مجلس الوزراء إلى الجوقة التي ترى أنَّ "الجحيم هو الآخرون" (لستُ بطبيعة الحال أقصد هنا مقولة سارتر الشهيرة في مسرحيته: خلف أبواب مغلقة)، فالاجتماع الأخير للمجلس وجّهَ لوماَ إلى وسائل إعلام عربية بوصفها لا تلتزم المهنية في تغطيتها أخبار الحرب الدائرة الآن لتحرير الفلوجة، وتمارس تحريضاً على خلفية هذه الحرب.
مع أنه صحيح تماماً، بيد أنَّ كلاماً من هذا النوع، خصوصا ًعندما يصدر عن هيئة عليا في الدولة، إنما يدّل على ضعف فاضح. لا أفهم كيف تفكّر الحكومة ورئاستها بأنّ على الإعلام الخارجي أن يكون موضوعياً وصادقاً ودقيقاً الى أبعد الحدود وهما تعرفان أنّ وسائل الإعلام الخارجية تابعة لجهات لها سياساتها وأجنداتها الخاصة (هل لا تعرف الحكومة ورئاستها هذا؟!). من طبيعة الأشياء أن تعكس وسائل الإعلام مواقف وسياسات مؤسساتها والدول التي تموّلها، وهذا ما يصحّ أيضاً على وسائلنا الإعلامية المحلية التي لا تعدم وجود غير الموضوعي وغير الصادق وغير الدقيق بينها، بل يوجد بينها من يبزّ وسائل الإعلام الأجنبية في التحريض الشنيع، وبخاصة الطائفي.
السؤال الأهم: هل كانت وسائل إعلامنا الوطنية، وبخاصة التابعة للدولة، بالمستوى المطلوب في الحرب الدائرة ضد داعش، وهي حرب دعائية ونفسية بقدر ما هي حرب بالطائرات والدبابات والمدافع؟
منذ سنتين اجتاح داعش ثلث مساحة البلاد واحتلَّ مدناً كبرى، ووظّف الإعلام، التقليدي والجديد، على نحو مدهش، فماذا فعلنا نحن في المقابل؟.. هل وضع إعلام الدولة ستراتيجية لمواجهة داعش ودعايته؟.. هل بادر مجلس الأمناء لشبكة الإعلام العراقي، منفرداً أو بالتعاون مع لجنة الثقافة والإعلام النيابية وهيئة الإعلام والاتصالات والنقابات والمنظمات الصحفية والإعلامية والمؤسسات الإعلامية الوطنية ومع الأمم المتحدة مثلاَ، لتنظيم اجتماعات وندوات وورش عمل لوضع ستراتيجية كهذه؟
الحكومة من جانبها، ما الذي فعلته؟ هل سعى المركز الإعلامي لرئيس الوزراء لوضع ستراتيجية كهذه، منفرداً أو بالتعاون مع لجنة الثقافة والإعلام وشبكة الإعلام وهيئة الإعلام والاتصالات والنقابات والمنظمات الصحفية والإعلامية والمؤسسات الإعلامية الوطنية ومع الأمم المتحدة؟
عدا عن هذا ما الذي فعلته هيئات إعلام الدولة والقيادة العامة للقوات المسلحة ووزارتا الدفاع والداخلية وقيادات العمليات، مجتمعة، لتأمين تغطية إعلامية فعّالة (شفّافة في المقام الأول) للحرب ضد داعش في الفلوجة، وقبلها في الرمادي وتكريت وسواهما؟.. هل شكّلت خلية أزمة إعلامية، مثلاً، لإدارة المعركة الإعلامية والدعائية؟
ما أعرفُه أنَّ شيئاً كهذا لم يحصل البتّة، لا على صعيد وضع الستراتيجية ولا على صعيد التغطية الفعالة - الشفافة ولا على صعيد خليّة الأزمة الإعلامية. لهذا، ولأسباب أخرى عديدة تتعلق خصوصاً بإدارات الإعلام في الدولة، ظلّت جبهتنا الإعلامية منكشفة، يخترقها داعش ويجتاحها الإعلام الخارجي بكلّ يسرٍ وسلاسة، مثلما اجتاح داعش ثلث مساحة البلاد بمنتهى اليسرِ والسهولة منذ سنتين.
الجحيم هو الآخرون.. بمفهوم سارتر، نعم.. لكن بمفهومنا، نحنُ جحيمُ أنفسِنا.
جحيمُ الإعلام
[post-views]
نشر في: 4 يونيو, 2016: 06:34 م