TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ما أولويّاتُكَ لو أصبحتَ رئيساً في بلدٍ مُتحضّرٍ ؟

ما أولويّاتُكَ لو أصبحتَ رئيساً في بلدٍ مُتحضّرٍ ؟

نشر في: 4 يونيو, 2016: 06:35 م

الفرنسي أندريه بريك، عالم الفيزياء الفلكية مكتشف حلقات نبتون، سُئل عن أولوياته لو ترشّح للرئاسة. أجاب بعفوية من دون تردّد: الثقافة والبحث، والتربية. بريك توفيَ قبل أسابيع، وكان معروفاً بعشقه للموسيقى وبحسّه الفكاهي، ولم يخفِ ولعَه بالطبخ.
ولو سُئل أيُّ قيادي في أحزابنا وكتلنا النيابية نفس السؤال لتردَّد قليلاً، وسأل خُلصاءه كم هي الميزانية السرّية للرئيس، وهل تخضع للرقابة المالية، وهل فيها مشاريع "تنموية"؟!
وقد سُئلَ مُرشّح لإحدى الوزارات المليئة بالمشاريع والمُتخمة بالميزانية عمّا يفكّر به من توجهات لتحقيق المصالحة الوطنية، والتضييق على مظاهر المحاصصة الطائفية. أجاب بمنتهى الجدّية: أنا أُفكرُ بأنْ أغرف كلَّ ما أستطيعُ من ميزانية الوزارة، ولن أتردّدَ في بيع "ترابها"،لأنَّ هذا أجدى مِن كل ما تفعلونه للمصالحة!
وليس في هذه المقارنة مسحةٌ من مبالغة أو تجنٍّ أو افتراء. وقائعها معروفة لمسؤولي دولتنا المهمومة بخواء خزينتها، وتراجع إغراء العديد من وزاراتها بالصراع على حقائبها مِن قبل الكتل المتنافسة على الوزارة التكنوقراطية. ولكنْ مَنْ يبحث لا يُردُّ خائباً، فالوزارات ليست مجرّدَ ميزانيةٍ وعمولاتٍ وأسهمٍ من الباطن وترابٍ قابلٍ للبيع، ومِنَ الوزارات ما تدرّ وظائفها ذهباً وعقيقاً وتبادل منافع، لا يعرف الوصول إلى أسرارها مَلِكُ الجنِّ وخليفة الشياطين.
ويتداولُ الناسُ، منذ تشكّلِ الوزارة الإصلاحية للدكتور العبادي، أنَّ إحدى الوزارات السيادية التي صارت برعاية وزيرٍ مفوّهٍ لا شكوك حولَ تديُّنهِ أو تمسّكهِ بالشعائر المذهبيّة، وتبحُّرهِ في عدد الآيات القرآنية وأسباب نزولٍ كلٍ منها، قد تحوّلت إلى متاعٍ لحزب الوزير، يُعيِّنُ أنصاره ومريديه، في مواقع داخل مقر الوزارة وفي امتداداتها في الخارج، لا فرق إنْ كانت لديهم شهاداتٌ أو كانوا من دونها، ولا فرق إنْ كانت خبراتهم تؤهلهم للعمل في وزارة البيئة أو حقوق الإنسان أو الخارجية. ويجري الحديث عن تعيين طواقم كاملة من العاملين في مرافق حزبه الصغير بعدد أعضائه، الكبير بتديّن ورفعة مكانة رئيسه. ولا يتورّع الوزير عن تسليم الوزارة لذوي قرباه ليتفرَّغَ لشؤونه القيادية وللتعبّد في محراب بيته الرئاسي.
ليستْ هذه مقارنة مقبولة، فشتّانَ بين أندريه بريك العالم الفيزيائي الذي يزنُ كلماتِه بميزان العلم، وبينَ وزيرٍ في بلد لا دولة فيه ولا قِيَمٍ رادعة أو قانوناً لمساءلة الوزير إذا ما ان هو من يحدّد معايير المساءلة.
الفرق الوحيد أنَّ العالم بريك يحترم مكانته العلمية وسمعته بين أقرانه، أمّا وزيرُنا فيعتقدُ جازماً بأنَّ صلواتهِ وأدعيتَه، وهو المفوّه ذو العقل الراجح في كلِّ ما له علاقة بعلم الكلام الملتبس، تكفي لتأكيد أنه يعمل لدنياه كأنه يعيش أبداً، ويعمل لآخرته كأنه يموت غداً.
والأعمار بيد الله..!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram