عندما سُئل محمد علي كلاي عن الصورة التي يتمنى أن يتذكره الناس بها، قال: " أرجو أن يتذكروا بأنني الرجل الذي لم يبع شعبه أبدا، الرجل الذي كان لا ينظر إلى الأسفل خجلا أمام أولئك الذين ينظرون إليه بتعالٍ ، وإذا كان ذلك كثيرا عليّ، فليتذكروا أنني كنتُ إنساناً، ولن أغضب إذا نسيتم كم كنت ملاكما متميزاً".
بالأمس يهزم المرضُ صاحبَ الألف حركة وحركة، الرياضي الذي لم يعرف التاريخ مثله. ليس لأنه كان صاحب الضربات القاضية، و لا الاميركي الذي أعلن إسلامه من على حلبة النزال ، بل لأنه الرجل الذي وقف في وجه الظلم وصرخ بكلمة كلّا ، الجندي الذي رفض أداء الخدمة العسكرية في فيتنام، قائلا للقضاة: " إنّ ضميري لا يسمح لي بأن أُطلق النار على إخوة لي في الإنسانية ، إنهم لم يفعلوا شيئا لي . خذوني إلى السجن فذلك أفضل لي ". الناشط المدني الذي لم يسعَ للارتزاق من الاحتجاجات، ولم يساوم على مبادئه من أجل صورة مع مسؤول، الذي قال لمارتن لوثر كينغ يوما: " علينا ان لانفقد الحلم ، لقد سئِمَتِ الناس من الشعارات، يجب ان نذكّرهم بالاحلام التي ستتحقق " .
كان على الفتى الأسمر، صاحب القبضة الذهبية، أن يعيش حياته كما خطط لها ليتحقّق له العيشُ كما أراد، مشى بسلطة الحكيم، يتوكّأ على كتف زوجته الأخيرة ، بيدينِ ترتعشانِ، جهاز للسمع، ونظر ضعيف، وتلك اللمعة الطفولية، الضاحكة في عينيه.
مذ أنْ أسقط البلدوز " سوني ليستون " وهو مايزال فتى في العشرينيات من عمره ، ظل يلوح بقبضته مناديا بالسلام ومندّداً بالحروب الوحشية التي تشنتها بلاده على شعوب العالم ، من يتذكر اليوم أسماء الذين خاض كلاي نزالاته معهم، لا أحد، بقي هو الحاضر دوما في حلبات الملاكمة وفي الدفاع عن حقوق الضعفاء ، مَن كان يتصور ان الجندي الاسود الذي رفض الخدمة في فيتنام ، سيتحول بعد خمسين عاماً من سجنه الى رمز اوباما يقول للامريكان امس :" لقد صبَّ الانتصار والإصرار الذي حققه محمد علي كلاي في صالحنا جميعا،ولولاه ما عرفنا أميركا التي نراها اليوم". والذي تنبأ له الجواهري قبل اربعة عقود بالزهو:
شَسَعْ لنعلِكَ كلُّ موهِبةٍ .... وفداءُ زندِكَ كلُّ موهوبِ
ياسيد اللكمات يسحرُها...ذهباً بِذِهنٍ منه مشبوبِ
وداعاً أيها الفتى الوسيم يا صاحب العقل والقبضة، القوة والضمير . الثراء والتواضع، ستغيب، لكن حلبات الملاكمة ستسمر في بلادنا التي اضافت لها الاحذية وقناني المياه ومسدسات الصيادي، جنبا الى جنب مع حلبة فيصل القاسم الهزيلة .
غياب صانع الحلم
[post-views]
نشر في: 4 يونيو, 2016: 06:46 م
جميع التعليقات 4
محمد سعيد
عاش وخلد في حياته حيث اطلق شارع باسمه وشيد له متحف في بلده ولادته لويس فيل كنتاكي , كله ليس انطلاقا من انه ملاكم تمكن بضربته القاضيه انهاء خصمه , بل اريد توكيد وتخليد حق المنافسه الحرة واهميه التعايش بين الاعداء , هكذا تتطور الامم ان ا
بغداد
رائع ما كتبته اليوم عن هذا الأسد البطل محمد علي كلاي يا استاذ علي حسين ورحمة الله عليه والى جنات الخلد انشاء الله كان بمعنى الكلمة إنساناً يمتلك العزة والشجاعة والكرامة .
محمد سعيد
عاش وخلد في حياته حيث اطلق شارع باسمه وشيد له متحف في بلده ولادته لويس فيل كنتاكي , كله ليس انطلاقا من انه ملاكم تمكن بضربته القاضيه انهاء خصمه , بل اريد توكيد وتخليد حق المنافسه الحرة واهميه التعايش بين الاعداء , هكذا تتطور الامم ان ا
بغداد
رائع ما كتبته اليوم عن هذا الأسد البطل محمد علي كلاي يا استاذ علي حسين ورحمة الله عليه والى جنات الخلد انشاء الله كان بمعنى الكلمة إنساناً يمتلك العزة والشجاعة والكرامة .