احتفل عشاق السينما قبل مدة بذكرى ميلاد أحد أهم أساطين السينما العالمية المخرج الياباني أكيرا كيراساوا (1910-1998) والذي يجمع مؤرخو السينما على أنه أحد أهم ثلاثة مخرجين عرفتهم السينما على الاطلاق.كيراساوا الذي قادته المصادفة الى ولوج هذا العالم الساحر ليكون فيما بعد أحد كبار السحرة فيه..
عامل في احد الاستوديوهات، ثم الى مخرج تفرد بأسلوب ومنهج في العمل، جعله مثلاً اعلى لأجيال من السينمائيين. انه فيلسوف وجد في الكاميرا أداته للبوح برؤاه عن أسئلة الوجود والانتماء.. عن الموت، ثم عن الحقيقة عندما تلبس وجوها عدة..تكمن عظمة كيرا ساوا، إنه فكر بصوت عال، في مجتمع تحكمه تقاليد صارمة وتراث تاريخي عظيم، يكفي لانغلاقه على نفسه.. مجتمع للمقدس فيه حضور طاغ.. وليس غريباً ان يقول، انه يفكر بقلبه وليس برأسه.. ومثل نبي لم تكن له كرامة في وطنه الذي عامله كابن عاق وجاحد، فأخذت عليه نخبهم تأثره الواضح بالثقافة الغربية..بينما كان يؤمن ان ليس للفكر وطن.. وهو الإيمان الذي جعله يخاطر بحياته في اكثر من عشرين محاولة انتحار.في رائعته (راشومون) استفاد من تكعيبية بيكاسو وبراك وايضاً من تكنيك البوليفونية في الرواية الحديثة في تجسيد رؤاه ليخلص الى ان للحقيقة وجوها متعددة.. حيث يسرد تفاصيل جريمة قتل عن طريقة أكثر من صوت موهماً المتلقي ان الحقيقة تكمن في كل منها.. ويختار من شكسبير عمله المكتظ بالأسئلة (الملك لير) ليقدم تحفته البصرية(ران) متناولاً فيها مصير الانسان من وجهة نظر سماوية.. ويذهب الى(ابله) ديستوفكي في ارقى معالجة عرفتها السينما لعمل أدبي.. و (الأبله) هو عمل ديستوفسكي الذي ينطوي على خلاصة فلسفته بالحياة... ووسع دائرة مصادره فقام باقتباس العديد من الاعمال الادبية، "مكسيم غوركي" وروايته "في الأعماق" وفي "بين السماء والجحيم" وشكسبير في "قصر العناكب" عن رواية "مكبث"، قبل ان يفتح له الروس ميزانيتهم ليقدم رائعته ( ديرسو اوزالا) التي تعد احدى أهم كلاسكيات السينما على مدى تاريخها، وهو من إنتاج روسي ياباني مشترك، وأحرز الفيلم اوسكار أفضل فيلم أجنبي.. حيث اختار ايضاً عن سيرة مكتشف بداية القرن المنصرم منتم الى الطبيعة حد الاندغام.. واذا كان اليابانيون يعيبون على كيرا ساوا غربيته، فقد وجد "كوروساوا" صعوبة كبيرة في إيجاد تمويل ياباني لأفلامه، فاضطر الى الاستعانة بـ (جورج لوكاس وفرانسيس فورد كوبولا) اللذين أحبا أعماله وتأثرا بها ، واذا كان هذا موقف اليابانيين منه فإن الغرب لم يتوانَ عن محاكاة ما أبدع من منجز السينما.. ويكفي ان نشير الى ان فيلمه ( الساموراي السبعة) الذي كان الموضوع الذي نوّع عليه عديد من المخرجين لعل أبرزهم سيرجيو ليوني في فيلمه الشهير( من اجل حفنه من الدولارات).عظمة هذا الساموراي الأخير ايضاً، انه لم يؤمن في ان السينما تنطوي على رسالة ما.. وان كان لابد لك من إيصال فكرة، فعليك ان تتوسل لها وسيلة ممتعة .. السينما لديه قبل كل شيء متعة، ثم لا بأس من ان تحمّلها ما تريد. السينما بالنسبة له.. كانت هي السينما لا غير.
الساموراي للحقيقة وجوه متعددة
[post-views]
نشر في: 8 يونيو, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...