اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > سميرة عبدالوهاب.. سِحر الضديّن.. تواترات الآسى والظّنون!

سميرة عبدالوهاب.. سِحر الضديّن.. تواترات الآسى والظّنون!

نشر في: 11 يونيو, 2016: 12:01 ص

ثمة مساعٍ دفاعيّة - لا شعوريّة،يمكن أن نلمحهُا ونتحسسهُا تتآلف- تلقائيّاً- بإتجاه طبيعة الإعتراف الإنفعالي بالأحداث،أو الوقائع،التي يشهدها الإنسان في مسيرة حياته،من تلك التي تنصهر  مع حالات تطهير النفس مماّ يتعرّض له المرء من مصائب وحالات صعبة و

ثمة مساعٍ دفاعيّة - لا شعوريّة،يمكن أن نلمحهُا ونتحسسهُا تتآلف- تلقائيّاً- بإتجاه طبيعة الإعتراف الإنفعالي بالأحداث،أو الوقائع،التي يشهدها الإنسان في مسيرة حياته،من تلك التي تنصهر  مع حالات تطهير النفس مماّ يتعرّض له المرء من مصائب وحالات صعبة وظروف قاسية،سرعان ما تتضّح معالم تلك المساعي وتسمو مآثرها على هيئاتِ تماثل نزوع ضمني يكشف عن فهم تفاعلي ما بين الفن كوسيلة(تطهير)،وما بين عدم الرضوخ والإستسلام لتلك الأحداث والوقائع،والسعي لتجاوزها،وإحتوائها على نحوٍ إبداعيٍ مُتسامٍ ورصين.

 ربما ...نحتاج إلى الكثير من الوقت وتوريد الأمثلة،إذا ما أردنا إثبات ذلك-عمليّاً-،وسَعينا لتعميق مسالك والقصد ونقاط التوضيح،بيد أن من يتتبع-معنا- خطوط الوصول لتجربة، كالتي نحاول أن نُعاينها والتملي بها ونحن  نطأ أرض خلاصات ما توصلت إليه تجربة الفنانّة التشكيليّة(سميرة عبد الوهاب)، سيدركُ مغزى أن يكون (الفن) مصداً ودرعاً واقياً أمام سِهام نوائب الزمن،وتعليلاً وبلسماً لزحف توترات الآسى ومتواليات الأحزان،أن لم يكن(الفن)هو حقيقة تلك الدوافع الخلاّقة التي تتسامى بها أصداء وشواخص التجارب الكبيرة.
بنا يفضي الماضي القريب نحو تلمس خيوط البحث عن رأس طرف الخيط في تجربة(سميرة) من عبر أولى معارضها الشخصيّة(نادي العلويّة - بغداد1971)،قبل أن تتجوّهر وتتبلوّر رؤاها حيال موضوعة(المرأة)كمفصلٍ لقضيةً حيويّة ومركزيّة في سطوة مساعيها التعبيريّة،والسعي بنمو بذرة الأخذ ببنيّة العمل الفني،من حدود الإعجاب والإشادة العابرة بالهواية إلى حيثيات التلّقي وتجاذب التأويل،بالرمز الأولي البسيط،وليتعمّق -بعد ذلك- هاجس توضيح مقاصد وعيها،وشروط توقها بإتجاه فتحِ فضاءٍ أوسع،كان قد تَعاظم واضحاً في محتويات معرضها الثاني على قاعة بغداد للفنون/1988 تحت عنوان(الفردوس المفقود)،تلاه معرضِ آخر في الكويت/1989،فضلاً عن مشاركات جماعية في العديد من الدول  العربيّة والمحافل العالمية،أنضوت كلها تحت مظلة مفهوم(الفن المعاصر)في مرحلة متقدمة من عُمر تجربتها،وخواص تبنيها الرسم لما هو أبعد من  مألوفيته وإعتياديته،وسيتضح ذلك جليّاً في مسار سير تواصلها-حتى اللحظة التي تعيش فيها في مدينة(نور-شوبنك)/السويد حيث تقيم هناك منذ عام 2008- بعد أن شاء  لها مرافقة العديد من الوفود الفنيّة والثقافيّة في الكثير من الملتقيات والبينالات،وقد أصبحت سكرتيرةً لرابطة نُقّاد الفن لمدة 11عاماً متواصلة،تلك الرابطة التي كان يرأسها الراحل الكبير(جبرا أبراهيم جبرا)،ثم عضواً في الرابطة العالميّة لنقّاد الفن (الأيكا)،والرابطة العالميّة للفنون التشكيليّة(أياب)،وقبلها سكرتيرة الإتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب منذ مطلع تأسيسه في العام  1974،وبما جعلها تحفر أسمها واضحاً في خارطة التشكيل العراقي .
فيما جاءت إمتدادات حضورها -أكثر- في عددٍ معارضها الشخصيّة منها (الفردوس المستعاد) تونس2002،ومعرض الفنانات العراقيات الذي أقامته منظمة الأمم المتحدة(UNDP) بعنوان(الأمل والإبداع)ومعرض مشترك مع الفنان(شدّاد عبدالقهار)في قاعة بغداد للفنون أيضاُ في عام 2000،كما نجد أن نتوقف عند حدود محاولاتها الإنسانيّة المُلفتة التي أقدمت عليها من خلال إقامتها لمهرجان حمل عنوان(الجنون والفن والإبداع)/2000 والتي أستوعبت فيه نِتاجات المرضى النفسانيّين بعد قيامها بزيارة مستشفى الأمراض العقليّة في مدينة الرشاد ببغداد،سعياً لإشاعة روح الأمل المفقود في نفوس هؤلاء الكائنات المحرومة من أبسط لوازم الإهتمام وسبل العيش،وقامت بإقتناء وشراء مجموعة من الأعمال الفنيّة الخاصة بهؤلأء المرضى الموهوبين.
من هنا...لا يمكن المرور على تجربة(سميرة عبدالوهاب)دون السير بمحاذاة سيرتها الفنيّة والثقافيّة،حتى أن التقييم سيكون ناقصاً،أن أغلفنا هذا التداخل الحيوي والحيّ في حقيقة فحص وتوصيف ورصد أعمالها على مدار ومداخل متعددّة،من خلال ما قدّمت من مشاريع وتأسيس قاعات عرض،أضحت علامات دالة في تأريخ إحتضان العروض والمعارض والفعاليات الثقافيّة والمعرفيّة الكبيرة،إذ سبق لها وأن أسست صالون بغداد الثقافي -عمان/ 2005والذي هو إمتداد لصالونها المعروف بأسم(صالون بغداد للثقافة والنقد والفن) 1998وقبل ذلك(أي في العام/1993) كانت تدير قاعة(بغداد للفنون) الواقعة في شارع حيفا التابعة لدائرة الفنون في وزارة الثقافة،فضلاً عن جدارة تكليفها بإدارة(جاليري-كونست مكازين)ولمدةعام واحد في السويد،وضرورات الكشف عن ظروف وأحداث إنسانيّة واجهت حياة(سميرة)/الأم وهي لم تزل في عزّ تطلعات وّهجها الفني،و توسيع دوائر مشاريعها و إهتماماتها الفنيّة والثقافيّة،دون أدنى تنازلٍ عن مكامن أنوثتها وأناقتها وفتنة جمالها الروحي والفعلي لما تتمتع من حضور و(كايرزما) لم تقف حائلاً أمام كيان هذه السيّدة الفريدة التي لم تستسلم-أبداً- لكل ما واجهها من مصائب وقسوة مفاجآت متكررّة.
لعل تراكمات مخزون الوعي تزيد -بدورها- من إستثارة خلجات بوحٍها المعلن والخفي،حتى ليشعر المُشاهد والمُتفحص لأعمالها بهسيس نار تلك الحوارات الداخلية(ديالوج) وهي تتبادل شحنات خلجاتها على نحو أسئلة ليست لها من إجابات محددة،كما تشي بنوازعِ وعي يمازج ما بين رمز وإشارة ونسق إختزال مُتقن وبليغ ينهض كخطاب جمالي يأخذ على عاتقه مَهام تبني سلسلة من أشرطة أحلام وتصوّرات،تتصارع في حومة عُتمة وتداخلات ضوء،يُزيد من وهجُ صراع يقاوم الضجر،ويسهم في أن يُحيي لغة تحاورمهموس وملموس ما بين ذات الفنانة في محَنة البحث عن فردوسها المُفترض والمفقود،وما بين عالمٍ يحيط بها،لكي يوقظ حالات من تصاعد غليان عواطف ومشاعر متداخلة يُصعب لملّمتها في عمل فني واحد ،رغم إنها تسعى لتلّخص أو تختزل جوانب من دواخلها حين تُغذّي صوراً من هواجس وظنون قيمة وهيبة ذلك الحبّ الأزليّ عبر توّحد علاقة الأشياء  ببعضها.
أعمال(سميرة)-عموماً-تتوافد وتتداخل بجهد نسيج عضوي يُعصب فصله عن نهجٍ تفكيرها العام،فلوحاتها تشبه هواجسها وتتفق مع تصوّراتها وتأملاتها الحُرّة والدفينة والقابعة في ثنايا وجدانها وصدق موقفها من الحياة التي تبغي وتطمح،عبر منافذ ما تفرضه أجواء تلك العوالم التي تحويها اللوحة،فضلاً عن مخاوف حرصها ورهافة أحاسيسها المتدفقة كشلالاتِ ضوءٍ تدفع بإتجاه تعميد العتمة بحِمم تصارعات إجباريّة محكومة بتقنيّات مقصودة بعناية تستعملها كخلفيات(backg-round) حافلة بإكتظاظات  حسيّة تتفاعل فوق سطوح مساحات تتبارى فيها الكتل مع ما يضّاددها من موجودات،وبما يعمّق من لغة الحوار وحيثيات فعل الدراما جراء تصارع تلك العلاقات في سياق العمل الذي يحكم علاقة الموضوع أو الفكرة في نزق من إغواء المتعة ومهارة التأويل وهو يُسهم في  تبديد غيوم الخوف ومحو أمطار الظنون كنوع من أجراءات دفاعات نفسيّة محوّرة،تناور الفنّانة عبرها للتخلص من أعباء نوبات الآسى و سطوة أحزان الذاكرة،وكل ما يسكن في أعماقها من حقائق وأحلام وخواطر وأمنيات،
يتعامد الإحساسّ فيها على هيئة مشاعر مُتضادة ومُحتدمة،تارةً وهادئة،مسترخيّة تارات أخرى،كما لو إنّها في لجُج لحظاتِ تأمل وإستغراقات صوفيّة غارقة في محيط  لا شعوري يتنازع في أثر دوّامات بحث وتقصٍ عن ذلك فردوس المفقود أو الضائع،في لعبةِ تماهٍ ومسحة وضوح قصدي  يكشف عن بعض ملامح غائبة-متوارية في حقيقة أحزان واقعها المعاش،كما تشي لوحاتها بشيء من غموض محكوم بمدعوم مساحاتِ ضوءٍ يعادل أو يوازِ صراحة ذلك الغموض والطريقة التي تقترحها كمعادل موضوعي لقيمة الصراع الحيويّ في لعبة شدّ و جذب كالتي نَشهدها تُغري العين وتثير شهية التأويل، بأقل ما يمكن من ألوان دالة ومعبرة عن الحالة النفسيّة للفنانّة،وإنعكاسات ذلك الجو العام للوحة في ذات تماثلات الشعور ودرجات الإحساس المتناغم ما بين الأثنين(الفنان وعمله).
تبقى-في ظننّا- مجموعة أعمالها(الكَرافيكيّة)الحفر والطباعة التي نفذتها الفنانّة في مشغل التشكيلي(سلام عُمر) في بغداد /2005 هي الأبرز والأعمق في مُراد  ما نسعى لتقييمه في واحدة من أنبل وأبرع المغامرات التكميليّة في ترصين وتعميق وعيها التشكيلي في هذا الميدان الصعب،وفي توضيح سعة مراسها وحقيقة إنفتاحها على جوانب وإجتراح مُتقَدم  صوب عوالم ومديات في تأكيد سمات ولوامس وضوح موقفها الجمالي-الفلسفي الخاص بتلّمحات من كونها إمرأة واثقة ومتفاعلة مع قضايا مجتمعها وقضاياها الشخصيّة،ولها ثقل كلمتها و توابع مراميها في الحياة والفن،كما تتقدّم أحاسيس ومشاعر هذه الفنانّة وفق ما يغلي ويعتلي ويعتمل من تصوير وتوثيق حالات من (لاوعيها) المتراكم في قاع روحها الشَغوفة بجمال طراوة حياة عاشت ومضت بحلوهِا ومرّهِا،بهدؤها وصخب مواجعها،وما يكتنفها من حالات الوعي وخصوصيّة الكشف ورفع الحجاب عن قدرات تتضامن وتسمو كلما إجتازت مراحل الحياة بالرسم ولما هو أبعد منه في تخريجات رفد اللوحة بتعديلات أسلوبيّة تضيف لنكهة أسلوبها السابق عمقاً وأبعاداً أكثر حداثة وعصرنة،فضلاً عن تعليلات لصق(كولاج) بجملة تخريجات آنيّة وعفويّة،تعاضد التجريب بلغة تجريد مختلفة من حيث بلوغ غاية الهدف و تطوير موجودات همومها الإبداعية وسّر تطلعاتها لصالح إبقاء تجربتها مفتوحة وقابلة لإحتواء ما يمكن أن يتوافق وقدراتها التعبيريّة وتآخيات صدق أحزانها وإستشعاراتها العاطفيّة والإنسانيّة.  
(سميرة عبدالوهاب)إنسانة  وفنانّة متفردة في نبل إخلاصها وقوائم ثقتها بالرسم،تعبيراً وموقفاً ونهجاً،لم يتحددّ أو يتوقف عند ضفاف السائد والمألوف،كما لم يتجاوز حدود التمرّد الفوضوي تحت ذريعة مويجات ما بعد الحداثة،بل أستطاع نهجها أن يمسك بعروة الرسم ويدفع به نحو مجالات وتقنيّات وتواثبات أبعاد ومديات أبعد ما تكون من مجرد نوبات هواية ورغبات تأكيد لذات حائرة،أستطاعت أن تتسللّ وتقتحم مغاليق ودواخل فتاة شابة فائقة الجمال والأنوثة والحضور الآخاذ الذي جاء يرافقها ويسير معها منذ بدء لحظة الكشف عن نقاء دفئها العاطفي،وتوازن وعيها الذهني وإستيعابها الفكري،وما سيلازمها في مُتممّات السير في طرقات وعرة،أو غير سهلة في محافل هذا العالم الذي أبدعت فيه،ولم تزل تصرّ وتحاول وتنال،بفعل حقيقيّة حرصها وبراعة سعيها،وألق حضورها في المحافل والملتقيات الدوليّة،وبما يتنازع ويتواكب مع تحليقات أحلامها،وتجاوزات ما واجهت من قسوة ظروف بروحٍ حافلةٍ بخصوصيّة نادرة،لم نألف ما يماثلها في حميميّة مشهدنا التشكيلي بتجنيسه النسوي،على أقل تقدير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram