الإنسان توّاقٌ لبلوغ غاياته باختزال الزمن، ويتضاعف هذا التوق الى حدّ التطرّف إذا كانت الغايات التي يريد بلوغها قمينةً بانتشاله من وضعٍ لم يعد يطاق، ومن حالة صارت تجعله في مواجهة خياراتٍ كلها تدفعه إلى حافة اليأس. وسواء تطرّفَ في توقه غير المبنيّ على " إمكانيّة" أو جَمّلَ التوق له "حرق المراحل"، فإنه يجد نفسه لا محالة أسير وهمٍ لا ينجو من نتائجه الوخيمة في كلّ الأحوال.
ولا غرابة في أنّ العراقي صار أسير إحساسٍ ضاغطٍ بات يُضيّق الخناق عليه ويسدّ في وجهه أبواب الأمل. ومن العراقيين المعدمين المهمّشين مَن قد تآخى مع الإحباط واليأس وانعدام الحيلة. وحين يواجه الإنسان مصيره اليومي، مجرّداً من مصادر قوته التي يستعين بها على الصبر، فإنه لن يفهم غير لغة الهيجان والتطرّف وحرق المراحل، خصوصاً إذا ما وجد نفسه أسير حراكٍ هو أقرب ما يكون من حيث شعاراته وأدواته وأهدافه إلى الإحساس بالعجز واللّا جدوى.!
يكاد الوضع العراقي، بكلّ ما يتحرّك فيه ويُحيط به يُشكّل أفضل بيئة لتيئيس الناس وإحباطهم وإشعارهم بالعجز من الخروج مما هم فيه من مأزقٍ وأزمةٍ خانقةٍ وضياع أفقٍ وتيه. وما فاقم هذا الشعور السلبي بين أوسع الأوساط والشرائح الاجتماعية، الإهمال الذي تُبديه الطبقة السياسية الحاكمة إزاء الحراك المطلبي الاحتجاجي السلمي الذي خاضته القوى المدنية منذ سنوات من دون انقطاع والمطالِبة بالإصلاح والتغيير، وتأمين أيّ قدرٍ من الخدمات الأساسية والاستقرار وضمان الأمن والتضييق على الفساد.
وكان واضحاً منذ توسّع جماهير الحراك، بانضمام أنصار التيّار الصدري، وبروز شعارات ودعوات توحي بالتصعيد، أنه يشهد تحوّلاً خارج سياقات الحراك التقليدية، قد تضعه في مواجهة أفعالٍ وردود فعل لا تساعد المتظاهرين على الاقتراب من أهداف حِراكهم.
وقد مثّل اقتحام البرلمان خطوة في هذا الاتّجاه غير المحمود، وبدا كما لو أنّه مرشّحٌ لمزيدٍ من التصعيد وما يدفع إليه من مواجهاتٍ مع القوى السياسية المستهدفة. إنَّ الخروج من إطار الحراك السلمي والتحوّل بوعيٍ أو خلافه إلى منطق فرض الإرادة، يقود إذا لم يجرِ في الوقت المناسب الاحتكام إلى منطق العقل والحكمة يقود لا محالة إلى تغليب منطق القوة والعنف اللامسؤول.
وقد صار واضحاً في المحصّلة النهائيّة، أنَّ هذا الخروج عن السياقات الاعتياديّة السلميّة تمخّضَ عن نزوعٍ فوضويٍّ، أقرب ما يكون إلى إجهاض عمليّة الإصلاح والتغيير. وهذا ما كانت تنتظره -بصبرٍ لافتٍ- الطبقة السياسيّة صاحبة المصلحة في استمرار نظام المحاصصة الطائفيّة. وجاءت الأعمال غير المنضبطة التي استهدفت المقارّ الحزبيّة والمباني الحكوميّة لتُعيد ارتهان عملية الإصلاح وسياقاتها لمَن هم موضوعها وهدفها المباشر، وتضع التظاهرات وشعاراتها ومطالبها في خانةٍ أُخرى غير خانة الإصلاح، هي خانة الفوضى غير البنّاءة في الواقع.
الإصلاحُ الأسيرُ بالهروبِ إلى الفوضى..
[post-views]
نشر في: 12 يونيو, 2016: 06:55 م