أقول ان المسرح التجريبي هو استكشاف المجهول وتفعيله والمسرح التقليدي هو توارث المعلوم وتجديده. والغرض من كليهما إزالة الركود في حركة المسرح. وعندما يستمر التجريب لمدة معينة يصبح تقليدياً بعدها او ما كان تقليدياً لمدة معينة لا بد من البحث عن البديل عن طريق التجريب. كانت طريقة ستانسلافسكي في اعداد الممثل وبناء الشخصية عملية تجريبية أدت مفعولها وغرضها واعتادها مطبقوها في الفرق المسرحية وفي المعاهد الفنية، اما اليوم فقد أصبحت عملية تقليدية بحكم توارثها وتكرار تطبيقاتها فظهرت طرق أخرى نتيجة للتجريب الجديد . المسرح التجريبي لا يتوقف عن التجريب وإلا يصبح تقليدياً فظهرت نتيجة لذلك نظرية اللعب وظهرت نظرية ممارسة الفعل وليس التظاهر بالفعل. وأوكد بان المسرح التجريبي ان توقف عن التجريب يصبح مسرحاً تقليدياً، كما اذكر ايضاً بانه ليس كل ما هو جديد تجريبياً حتماً ولكن يجب ان ينتج عن التجريب ما هو جديد حتماً. من هذه المقدمة استطيع القول بان مسرحنا العراقي ومنذ صحوته خلال الخمسينات من القرن الماضي وحتى اليوم بقي تجريبياً لأنه لم يرسخ قواعد ثابتة ولم يثبت على حاله فقد بقي على الدوام يبحث عن الجديد ويستكشف المجهول، وهكذا كان دأب المنشطين والمعلمين ورغبة وهواية المخرجين والمؤلفين. استاذنا (حقي الشبلي) والمتهم بالتقليدية فقد خرج على المألوف عندما أخرج (يوليوس قيصر) في معهد الفنون الجميلة وذلك باستغلاله صالة المتفرجين ليقدم فيها عدداً من مشاهد المسرحية خلافاً للعادة باستعمال مسرح العلبة الإيطالي. وبعده جاء (إبراهيم جلال) ليكسر المألوف والتقليد وذلك في محاولاته تطبيق مبدأ (التغريب) البريختي في المسرحيات الكلاسيكية التي اخرجها في المعهد مثل (الطوفان) لعادل كاظم و(ماكبث) لشكسبير معتقداً ان عامل التناقض الاجتماعي والاقتصادي والسياسي موجود في مضامين مختلف المسرحيات قديمها وحديثها، والتناقض هو الذي يخلق (التغريب)، وبعد (إبراهيم) جاء (جاسم العبودي) الذي حاول تطبيق طريقة ستانسلافسكي في المسرحيات التي يخرجها في المعهد وخارج المعهد والمعروف بان (ستانسلافسكي) هو أول المجربين في العصر الحديث، وحتى (بدري حسون) وهو المتهم الآخر بالتقليدية فقد خرج عنها عند أخراجه لمسرحية (أبسن) الواقعية (عدو الشعب) مع طلبة المعهد حيث استخدم منظراً تجريدياً خلافاً للمنظر الواقعي . وعندما تأسست فرقة الدولة (الفرقة القومية للتمثيل) لم تفكر ادارتها باعتماد التقليد في برنامجها المسرحي بل اعتمدت التنويع في الاتجاهات والتيارات المسرحية وبالأخص الحديثة منها وذلك خلال الستينات من القرن الماضي وما بعدها، فالى جانب مسرحية (شكسبير) (تاجر البندقية) التي اخرجها (سامي عبد الحميد) بالشكل التقليدي قدم المخرج نفسه للفرقة مسرحية تنسي وليامز التعبيرية (الحيوانات الزجاجية) والى جانب مسرحية عادل كاظم التقليدية (الحصار) اخرجها (بدري حسون فريد) اخرج (حميد الجمالي) مسرحية طليعية للكاتب الجزائري (كاتب ياسين) بعنوان (الاجداد يزدادون ضراوة) واخرج (جاسم العبودي) مسرحية (حفلة سمر من اجل خمسة حزيران) لسعد الله ونوس، هي مسرحية وثائقية، وهكذا بقي التنويع هو الساري في العروض المسرحية التي تقدمها الفرقة.ولم تبقَ الفرق الاهلية الخاصة هي الأخرى كفرقة المسرح الحديث والفرقة الشعبية وفرقة مسرح اليوم وغيرها على حال واحدة بل كان التنويع والتجديد ديدنها. واخيراً أتساءل هل باستطاعة المخرجين من الجيل الجديد ان يخرجوا مسرحية مثل (ملحمة كلكامش) او مسرحية مثل (سيدرا) او مسرحية مثل (الجنة تفتح أبوابها متأخرة) او مسرحية مثل (البيك والسايق) او مسرحية مثل (ثورة الموتى) او مسرحية مثل (الملك لير) او مسرحية مثل (النخلة والجيران) او مثل (ألف رحلة ورحلة)؟ اشك في ذلك لان مثل تلك المسرحيات تحتاج الى عمق التحليل ودقة التفسير واكتمال عناصر العرض بينما تظهر في أعمالهم هذه الأيام مظاهر الاستسهال والعشوائية وتشابه التقنيات في الأداء، وكلها تقف بالضد من المسرح التجريبي الذي يستوجب البحث والاستمرار فيه وينتج عنه كل ما هو جديد ومبتكر وغير مألوف.
كيف أصبح التجريب تقليداً والتقليد تجريباً؟!
[post-views]
نشر في: 13 يونيو, 2016: 09:01 م